نستقبل استفساراتكم على البريد الألكتروني : [email protected] أو فاكس : 6753670 - 02 أسمع عن الإجارة كثيرًا وأحكامها ولكن أجد صعوبة في فهم أحكام الجعالة، فهل ممكن شرحها لي وخاصة أنا معقب وأمسك معاملات أحيانًا على بذل الجهد وأحيانًا على النتيجة؟ فخر حسن - الدمام الجعالة تسمى الجعل والجعيلة أيضًا، وهي ما يعطاه الإنسان على أمر يفعله، كأن يقول: من فعل كذا؛ فله كذا من المال؛ بأن يجعل شيئًا معلومًا من المال لمن يعمل له عملًا معلومًا؛ كبناء حائط. ودليل جواز ذلك قوله تعالى: (ولمن جاءَ بِهِ حِمل بعيرٍ وأنا به زعيم)؛ أي لمن دل على سارق صواع الملك حمل بعير، وهذا جعل، فدلت الآية على جواز الجعالة. ودليلها من السنة حديث اللديغ، وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد أنهم نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء، فأتوهم، فقالوا: هل عند أحد منكم من شيء؟ قال بعضهم: إني والله لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا؛ فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلًا. فصالحوهم على قطيع من غنم، فانطلق ينفث عليه ويقرأ: (الحمد لله رب العالمين)؛ فكأنما نشط من عقال، فأوفوهم جعلهم، وقدموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا ذلك له، فقال: (أصبتم، اقتسموا واجعلوا لي معكم سهمًا) رواه البخاري. فمن عمل العمل الذي جعلت عليه الجعالة بعد علمه بها؛ استحق الجعل؛ لأن العقد استقر بتمام العمل وإن قام بالعمل جماعة؛ اقتسموا الجعل الذي عليه بالسوية؛ لأنهم اشتركوا في العمل الذي يستحق به العمل العوض فاشتركوا في العوض، فإن عمل العمل قبل علمه بما جعل عليه؛ لم يستحق شيئًا لأنه عمل غير مأذون فيه، فلم يستحق به عوضًا، وإن علم بالجعل في أثناء العمل؛ أخذ من الجعل ما عمله بعد العلم. والجعالة عقد جائز لكل الطرفين فسخها، فإن كان الفسخ من العامل؛ لم يستحق شيئًا من الجعل؛ لأنه أسقط حق نفسه، وإن كان الفسخ من الجاعل، وكان قبل الشروع في العمل؛ فللعامل أجر مثل عمله؛ لأنه عمله بعوض لم يسلم له. والجعالة تخالف الإجارة في مسائل: 1-منها أن الجعالة لا يشترط لصحتها العلم بالعمل المجاعل عليه؛ بخلاف الإجارة؛ فإنها يشترط فيها أن يكون العمل المؤجر عليه معلومًا. 2- ومنها: أن الجعالة لا يشترط لصحتها العلم بمدة العمل المجاعل عليه بخلاف الإجارة؛ فإنها يشترط فيها أن تكون مدة العمل معلومة. 3-ومنها: أن الجعالة يجوز فيها الجمع بين العمل والمدة، كأن يقول: من خاط هذا الثوب في يوم، فله كذا، فإن خاطه في اليوم، استحق الجعل، وإلا فلا؛ بخلاف الإجارة؛ فإنه لا يصح فيها بين الجمع العمل والمدة. 4- ومنها: أن العامل في الجعالة لم يلتزم في العمل، بخلاف الإجارة؛ فإن العامل فيها قد التزم بالعمل. 5- ومنها: أن الجعالة عقد جائز لكل من الطرفين فسخها بدون إذن الآخر، بخلاف الإجارة، فإنه عقد لازم، لا يجوز لأحد الطرفين فسخها؛ إلا برضا الآخر. وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن من عمل لغيره عملًا بغير جعل ولا إذن من صاحب العمل؛ لم يستحق شيئًا؛ لأنه بذل منفعة من غير عوض، فلم يستحقه، ولأنه لا يلزم الإنسان شيء لم يلتزمه؛ إلا أنه يستثنى من ذلك شيئان: الأول: إذا كان العامل قد أعد نفسه للعمل بالأجرة كالدلال والحمال ونحوهما؛ فإنه إذا عمل عملًا بإذن يستحق الأجرة؛ لدلالة العرف على ذلك، ومن لم يعد نفسه للعمل، لم يستحق شيئًا، ولو أذن له؛ إلا بشرط. الثاني: من قام بتخليص متاع غيره من هلكة؛ كإخراجه من البحر أو الحرق أو وجده في مهلكة يذهب لو تركه؛ فله أجرة المثل، وإن لم يأذن له ربه، *محام ومستشار قانوني لأنه يخشى هلاكه وتلفه على صاحبه، ولأن في دفع الأجرة ترغيبًا في مثل هذا العمل، وهو إنقاذ الأموال من الهلكة. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “من استنقذ مال غيره استحق أجرة المثل، ولو بغير شرط، في أصح القولين، وهو منصوص أحمد وغيره”. وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: “فمن عمل في مال غيره عملًا بغير إذنه ليتوصل بذلك العمل إلى غيره أو فعله حفظًا لمال المالك وإحرازًا له من الضياع؛ فالصواب أنه يرجع عليه بأجرة عمله، وقد نص عليه أحمد في عدة مواضع”. بصرنا والله وإياك في العلم ورزقنا العمل الصالح والله تعالى أعلم.