التشيك ترفض إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة أثناء توليها رئاسة الاتحاد الأوروبي في عام 2008م، وتعتبره دفاعًا مبررًا عن النفس. التشيك تعرقل الورقة التي قدمتها السويد إلى الاتحاد الأوروبي أثناء رئاستها له في عام 2009م، والتي دعت إلى الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة. التشيك تعترض على تقرير جولدستون عن جرائم الحرب التي ارتكبت في حرب غزة، وتعتبره متحيّزًا ضد إسرائيل. التشيك تصف الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية في عام 2010م بأنه أمر مفهوم من أجل أمن إسرائيل وسلامتها. التشيك .. هذه البلاد التي تزرع الورد في الحدائق، والشوارع، وعلى ضفاف الأنهر، وفوق وجنات الحسان، البلاد التي تتراقص على أنغام باخ وبيتهوفن، والتي استضافت موزارت ووهبته أول نجاحاته قبل أن تدرك بلاده النمسا آفاق موهبته، والبلاد التي لم تختر لرئاستها بعد التحرر من الحكم الشوعي قائدًا عسكريًّا أو سياسيًّا محنكًا، بل انتخبت شاعرًا رقيقًا مرهف الأحاسيس. التشيك.. هذه البلاد التي أعطت العالم دروسًا في الحرية عندما خرج أبناؤها في ربيع براغ عام 1968م، ثم في الثورة المخملية عام 1989م رافضين الهيمنة السوفيتية، كما رفضوا من قبلها الاحتلال النازي. التشيك.. هذه البلاد التي لم ترغب في أن تحتفظ بوحدتها مع شقيقتها سلوفاكيا، طالما أن السلوفاك أرادوا تقرير المصير والاستقلال. التشيك.. هذه البلاد الجميلة.. لماذا تتخذ من المواقف ما يجعلها أقوى مدافع عن إسرائيل، واحتلالها، وجرائمها، واعتداءتها من بين شركائها في الاتحاد الأوروبي؟ عندما طرحت هذا السؤال على بعض التشيكيين اتّسمت ردودهم في البداية بالاستغراب، حيث لم يكونوا يدركون مدى انحياز بلادهم إلى إسرائيل.. وبعد ذلك بدأ بعضهم في محاولة الإجابة.. فقال أحدهم إن التشيكيين ينظرون إلى إسرائيل باعتبارها دولة ديمقراطية تدافع عن حقها في الوجود بين قوى متطرفة مثل: إيران، وسوريا، وحماس، وحزب الله تسعى إلى تدميرها. وأضاف آخر: إن الأوروبيين يتحمّلون مسؤولية حماية حق اليهود في وطنهم إسرائيل؛ لانهم لم يحموا اليهود كما ينبغي من جرائم النازية، وأن عليهم ألاّ يكرروا ذلك الخطأ التاريخي. وقال ثالث: إن اليهود في التشيك يتمتعون بنفوذ خاص ليس بالضرورة في عالم السياسة، حيث يكاد لا يكون لهم وجود في مناصب الدولة العليا، ولا في عالم الاقتصاد، حيث لا يتجاوز نفوذهم حدود ما يحظى به اليهود في دول أوروبا الأقل ودًّا لإسرائيل، ولكن في عالم الأدب والموسيقى والفنون الجميلة، حيث يخلبون من خلالها ألباب التشيك وقلوبهم. وزاد رابع: إنه النفور من العرب والمسلمين؛ لأن الاتراك طرقوا أبواب التشيك في أوائل القرن الماضي، واحتلوا جزءًا منها، وكانوا يهددون حضارتهم على حد تعبيرهم، كما أن «أصدقاءهم» العرب في فترة الحكم الشوعي كانوا حلفاء للاتحاد السوفيتي، والتشيك لا يبغضون شيئًا مثل بغضهم لتلك الفترة التي يقولون إنهم سقطوا تحت وطأتها بمحض الصدفة؛ لأن الجيش السوفيتي وصل إلى التشيك قبل أيام قليلة من وصول الحلفاء إليها؛ ولذلك انتهى المطاف بهم إلى أن يقعوا ضمن حصة الاتحاد السوفيتي، فبقسمة النفوذ الشهيرة التي تمت في يالطا. هل نترك التشيك، ونتجاهل تاريخها في العلاقات الوثيقة مع العالم العربي؟ أم نواجهها بالحرمان من المصالح، أم نشن عليها هجومًا مخمليًّا قوامه الفكر والفن والثقافة؟ لحوارنا بقية قادمة إن شاء الله.