هيلين توماس (89 عامًا) عميدة مراسلي البيت الأبيض، والصحفية المخضرمة في مجموعة صحف هيرست المشهورة، حضرت احتفال البيت الأبيض بيوم التراث اليهودي الأمريكي، والتقى بها وهي خارجة حاخام يهودي يحمل جهاز فيديو، ويعمل مندوبًا لأحد المواقع الإلكترونية اليهودية، وسألها: هل من تعليق حول إسرائيل، ونحن نحتفل بيوم الإرث اليهودي؟ فأجابت هيلين على الفور: قل لهم (أي إسرائيل) أن يخرجوا (بحق الجحيم) من فلسطين!؟ فأجابها الحاخام: واو (كلمة استغراب) هل من تعليق أفضل؟ قالت هيلين: تذكر أن الفلسطينيين عاشوا في بلادهم قرونًا، واليوم أرضهم محتلة! سألها الحاخام: إلى أين يذهب الإسرائيليون؟ قالت: إلى بلادهم! سأل الحاخام مجددًا: أين هي بلادهم؟ أجابت هيلين: بولندا وألمانيا وأمريكا وأي مكان آخر! لقد قوبلت هذه الكلمات الصادقة بتوبيخ علني من البيت الأبيض، وبعاصفة من الاحتجاجات والاستنكار من اللوبي الصهيوني في واشنطن، واضطرت هيلين إلى الاعتذار ثم الاستقالة من منصبها كعميدة لمراسلي البيت الأبيض وصاحبة الكرسي الأول، وكذلك من مجموعة صحف هيرست بعد حوالى 67 عامًا من العمل الصحفي. * * * الطريف في الأمر، أن الصحافة الصهيونية كشفت في نفس الأسبوع، مقتطفات من تقرير سري للمخابرات الأمريكية حول مستقبل إسرائيل، عبّرت فيه الوكالة عن شكوكها في بقاء الكيان الصهيوني بعد عشرين عامًا، وتوقعاتها بهجرة مضادة كثيفة للإسرائيليين بمئات الألوف عائدين الى بلادهم الأصلية، منهم طبقًا للتقرير السري المشار إليه، مليون ونصف المليون إسرائيلي إلى روسيا وبعض دول أوروبا، وخمسمائة ألف إلى أمريكا. لكن ما هو أهم أن تقرير الاستخبارات الأمريكية يتنبأ بأن مشروع حل الدولة الديموقراطية الواحدة «ثنائية القومية»، والتي يتمتع فيها المواطن بغض النظر عن عرقه، أو قوميته بكامل حقوق المواطنة بالتساوي، هو الحل المنصف، والذي بدوره سوف يلقي بضوئه الساطع على شبح أو طيف الدولة الاستيطانية الاستعمارية العنصرية، حسب التقرير. (الجزيرة 26/6/2010). السؤال الآن: لماذا تجبر على الاعتذار والاستقالة صحفية أمريكية مرموقة كهيلين توماس أمضت 67 عامًا من حياتها في المهنة، لمجرد أنها عبّرت عن رأيها؟ في بلد يفتخر بحرية المعتقد والرأي!؟ الجواب أن الكيان الصهيوني أصبح البقرة المقدسة في المجتمعات الأمريكية والأوروبية، ومَن يجرؤ على المساس بها بأي شكل يدفع الثمن غاليًا، حتى ولو كان الرئيس الأمريكي.