قال الضَمِير المُتَكَلِّم: اتصل يشتكي من تأخّر زواجه بسبب ظروفه المادية، ويطلب العون والواسطة عند البنك السعودي للتسليف والادّخار؛ فاقترحت عليه زيارة الجمعية الخيرية المسؤولة عن مساعدات الشباب، وتزويجهم في حفلات جماعية!! تنهد قليلاً، وأطلق مجموعة من الآهات الساخنة، خُيِّل إليَّ أني لمست سخونتها عبر الهاتف!! صمت، طال صمته، بادرته: ما بك يا رجل؟! قال: لقد نكأت جرحًا حاولت نسيانه. يا أخي ما تقدّمه تلك الجمعيات للشباب ليست مساعدات، بل مقطوعة محزِنَة من الإذلال والإهانات غير المباشرة، وحفلاتهم الجماعية ما هي إلاَّ تَشْهير جماعي!! فمقابل مبلغ بسيط، وبعض الأدوات الكهربائية كانوا يشترطون حضور دورة تأهيلية، فقلنا: ماشي.. فيها بعض المعلومات والمفردات التي تساهم في نجاح زواجنا وأسرتنا المستقبلية، ولكن أن يلزموا طَالبَ المساعدة بحضور الحفل الجماعي، وحضور طقوسه؛ ليعلنوا أمام زوجة المستقبل، وأسرتها، وأسرتي، وجماعَتي، بل وأمام وسائل الإعلام المختلفة، أن هذا الشاب فَقِير، ولم يتزوّج إلاّ بمساعدتنا؛ فهذا ما لا أقبله؛ لأني أعتقد أن هذا سوف يصبح عقدة نَقْصِ، وجرحًا نفسيًّا أعاني منه ما حييت، وربما امتد الأثر إلى أبنائي من بعدي.. فمجتمعنا لا يرحم!! انتهت المكالمة؛ ومنها فلا شك في إخلاص وحسن نوايا الإخوة الأفاضل القائمين على الجمعيات الخيرية التي تمدّ يد العون للشباب، وتساعدهم على الزواج، ولهم الشكر والدعاء على جهودهم في خدمة مجتمعهم؛ ولكن أعتقد أن تلك الزيجات الجماعية تغيب فيها فضيلة سرّية الصدقة التي يحثنا عليها الدِّين الإسلامي، وتبتعد عنها الإنسانية بإذلال الشاب بحاجته ليقبل بشروطهم؛ دون اعتبار لظروفه النفسية التي تفرضها عادات مجتمعه! فالظاهر أن الحاضر الأكبر في هذه الزيجات الجماعية هو إثبات الذات، وحبّ الظهور، وتلميع الشخصيات أمام الإعلام، وتكريس الطبقية بين أفراد المجتمع؛ وأخيرًا لعلّ الإفادة من تكاليف، وبهرجة، ومصاريف، ودِعَايات هذه الحفلة الجماعية في تزويج مجموعة أخرى من الشباب أولى، وأعظم أجرًا!! ألقاكم بخير، والضمائر متكلّمة. فاكس : 048427595 [email protected]