يتلبس هذا النص لموسى عقيل بوجع الكائنات زمنًا ومكانًا، وحقولاً، وفضاءً، يبتدئ هذا الوجع من الذات التي تمتزج بالوجود، وبزمن الذات، يقول الشاعر: تتلبس الطرقات بي، وتبوح وكأنني لأسى المدائن روح ودم الحقيقة في عيون مرابعي دمع وأحشاء السنين قروح كأن الطرقات من الذات، تلبست بها، فلم تعد مساحة للركض على الامتداد الجغرافي أو الزماني؛ بل أضحت من وجعه، من قروحه. على الرغم من تناظرية النص (عموديته)، إلاَّ أنه جاء على شكل التفعيلة؛ وهذا ما أحدث في النص قدرة على تناغم الحنين، وآهات الوجع، في انتظام مع طنين الكلمات الصوتي والدلالي، كأن الشاعر حين قال: ( تتلبس الطرقات بي) لم يرد أن يغلق الخطا مع الطرقات والتلبس بها بإنهاء الشطر بكلمة (وتبوح)، وكان إفساح المدى لكلمة (تبوح) في سطر واحد مجالاً لامتداد فضاء البوح... وحين نأتي إلى السطر الرابع (ودم الحقيقة في عيون مرابعي دمع)، نجد أن تمرد الشاعر على حدود التناظرية والامتداد إلى كلمة (دمع)، التي لم يقف الشطر دون أن يبلغها أضفى على النص الوعي بمكان الكلمة، كأن الشاعر لم يرد أن يقف، لم يرد أن يفتح مسافة، أراد أن يقذف بالدمع أمام الدم ليكون خبرًا له، ليكون في نهاية السطر لا يقف الكلام دون أن يبلغه؛ ومن ثم تكون بداية السطر الثاني من أحشاء السنين التي ترافق الدم؛ فينتهي الدم إلى الدمع، وأحشاء السنين إلى القروح. وقد جاء النص على مستوى الرؤية مقدمًا مسارًا مجروحًا ومذبوحًا، يحمل الموت والألم في منافذ الحياة والمسارات المطبقة على الذات، استنفد دلالات الجروح، والقروح، الذبح التي يتشكل منها روي القصيدة في إغلاق المسارات، وإذا احتاج إلى كلمات مثل: تفوح، طموح، مفتوح.. جعلها في دائرة الأسى والجرح؛ ويأتي ذلك متسقًا شكلاً بدلالاته المضمونية مع مستوى الرؤية المسجونة، حين يقول: مسجونة مدن الكلام إذا غدت سجنًا على حر مداه الروح