تلقيت اتصالاً كريماً من أخي د. إبراهيم الدويش أمين عام مركز رؤية للدراسات الاجتماعية الخيري بالرس، ليشكرني على ما كتبته هنا في صفحة الرأي وهناك في ملحق الرسالة عن جهودهم الوطنية المخلصة، وكم زاد إعجابي بفضيلته ومركزه المتميز حينما كشف لي المزيد من مشاريعهم النافعة، وإن كانت هذه هي المرة الثالثة التي أكتب فيها عنهم، إلا أنهم أكبر من أن نرد جميلهم، فنحن نراهم يعملون بصمت وجد وإخلاص وخيرية للوطن والمواطنين، في حين لا يعرف فضلهم إلا القليل، وفي المقابل هناك من يثير الشغب في الوطن ويحرض على المواطنين والولاة ونجد أن ذكرهم يملأ الآفاق، في حين أنهم لم يقدموا للبلاد والعباد سوى البلبلة. وقد كان من ضمن إصدارات المركز دراسة عن القنوات الفضائية وعلاقتها بالانتماء والهوية الوطنية للشباب السعودي، حيث تكمن المشكلة في التأثير السلبي لهذه القنوات على حياتنا اليومية، وعلى وجه الخصوص فئة الشباب، مع التسليم بالآثار الإيجابية في زيادة المعارف والدراية بالواقع، إلا أنه من الواجب دراسة إمكانية تلافي السلبيات وتحصيل الإيجابيات، مع عدم الغفلة عن المفاسد وفي نفس الوقت عدم المبالغة في الأضرار، ومنه الاغتراب، بما يؤثر سلباً على مستوى التمسك بالهوية، ودرجة الانتماء للإسلام والعروبة والوطن، سواء بفقدان معنى الهوية والانتماء، أو بضياع المعايير الدينية والتمرد على التقاليد والانعزال عن المجتمع. وهذه الدراسة تشمل الشباب ما بين 18 حتى 30 سنة، وهذه المرحلة تعني ما بعد الثانوي، شاملة الكلية وما بعدها، ويبلغ عدد هذه الشريحة قرابة ربع السكان، والعينة قامت على 1600 شاب من الذكور فقط عبر ثماني مناطق في جميع الجهات الخمس لكل جهة 200 مفردة ميدانية. وخلصت الدراسة إلى أن الغالبية هم من المشاهدين للقنوات الفضائية، مع اختلاف الأذواق والأنماط، وقد جاء في المرتبة الأولى الأفلام فالبرامج الرياضية فالمنوعات والأغاني ثم البرامج الثقافية فالإخبارية ثم الاجتماعية والسياسية وأخيراً البرامج الاقتصادية، وجاءت الرغبة بالتسلية أول الفوائد المطلوبة للعينة، ثم المتعلقة بالحصول على المعلومات والمفاهيم والأفكار الجديدة، ثم متابعة الأحداث السياسية، وأخيراً تلك المرتبطة بتعلم المهارات، وبلغت ساعات المشاهدة اليومية بين الساعتين والخمس ساعات، شاملة جميع أوقات اليوم والليلة، وخصوصاً في المساء، وفي الغالب مكانها في المنزل، مع الحرص على مشاهدة القنوات الأجنبية للغالبية، في حين امتنع البعض عنها بسبب تعارضها مع العادات والتقاليد، أو بافتقاد التواصل بسبب اللغة، ويعود السبب في الحرص على المشاهدة للقنوات الأجنبية غالباً إلى تقديمها للجديد في وقته، ولتقديم بعض البرامج التي لا تتوفر في القنوات العربية، مع قوة المحتوى وسرعته وحريتها بتقديم الموضوعات وإشباعها للرغبات مع معالجتها للقضايا بعمق وتقديمها للأخبار بموضوعية، وأوضحت الدراسة أن غالبية العينة المتابعين للقنوات الفضائية هم من المتعلمين وجاء الجامعيون بالمرتبة الأولى، وتزداد ساعات المشاهدة لديهم عمن دونهم، وهم أكثر المشاهدين للقنوات الأجنبية. والأهم في الدراسة درجة تأثير القنوات الفضائية على الشباب السعودي، فقد أكدت نسبة كبيرة على أن حياتهم تأثرت بذلك بنوعيه السلبي والإيجابي، فالسلبي كإكساب الشباب عادات التقليد للغير، وتشويش أذهانهم بالأفكار الأخرى، مع تفسخ العلاقات الاجتماعية، وضعف الانتماء، والشعور بالإحباط، وأما الإيجابي ففي إعطاء فرصة للتعليم وزيادة الوعي الثقافي للشباب، وأن التأثر الإيجابي يزيد في ارتفاع العمر وينزل بانخفاض السن، حيث التقليد وتشويش الأذهان والتأثير على سلوكياتهم وتغيرها، حيث احتلت هذه الأربع المراتب الأولى من بين تأثير القنوات الفضائية، وقد يرجع ذلك إلى ما تحمله تلك القنوات من أفكار وعادات وتقاليد يرغب الشباب في تقليدها أولاً ثم تصبح سلوكاً يمارسونه بعدما تسهم في تشويش أذهانهم وشعورهم بالتناقض بين عاداتهم وسلوكياتهم الموروثة وبين العادات والتقاليد الجديدة، وقد أكدت نسبة كبيرة من عينة الدراسة على أن بعض الشباب السعودي يعاني من حالة ضياع واغتراب وانفصال عن المجتمع، حيث ارتفعت نسبة المؤكدين لذلك من الجامعيين، وانخفضت عمن دونهم، وجاءت مظاهر الاغتراب الثقافي متعددة الأسباب، بدءًا من الإحساس باللامبالاة، ثم التمرد على القيم السائدة، وتبني مفاهيم جديدة، ثم عدم الامتثال لمعايير المجتمع، وضعف الوازع الديني والبطالة بين الشباب وعدم وجود برامج كافية للشباب مع أساليب التنشئة الأسرية غير المناسبة والانفصال وعدم التواصل بين الآباء والأبناء مع فقدان الثقة بالمجتمع وقيمه، عبر ما تحمله القنوات من عادات تحث على نبذ القديم والتمرد عليه، ولا بد أن يعي المجتمع الخطورة التي تحدثها تلك القنوات من زعزعة للقيم وشعور الشباب بالعجز الذي يفقده المعيارية في جوانبه السلوكية، وقد أكدت العينة على عدم رضاهم عن علاقتهم مع خالقهم سبحانه، وظهر ذلك في كونهم يشعرون بالتقصير في واجباتهم الدينية، وعدم قدرة الكثير على التمييز بين الحلال والحرام، وأن الغاية تبرر الوسيلة، وضرورة كسب المال ولو بطرق غير مشروعة. ولذا فلا بد من الاهتمام بدور النظم الاجتماعية في حماية الشباب والفتيات من التأثر السلبي الوارد عبر الفضائيات والإنترنت، وإمداد الأسرة ببرامج حديثة وفاعلة، وتوعية المجتمع بذلك، ودعم دور منظمات المجتمع المدني، مع حث وسائل الإعلام وأساتذة التعليم، والأئمة والخطباء والدعاة، على الاهتمام بهذه القضية، مع تطوير قنواتنا الفضائية، والترخيص بفتح مراكز شبابية تقوم بالرعاية التي تكفل المحافظة على الهوية والانتماء الديني والقومي والوطني، والعادات والتقاليد السامية.