أعتقد - والله أعلم - أن التأخر الذي نرتع فيه مرده إلى كوننا ( جدليين) حتى النخاع ، إذ لا توجد قضية نَلِتُ ونعجن فيها، وتقلقنا وتعيقنا من بلوغ أعلى قمم الرقي سوى ( قيادة المرأة للسيارة)، لدرجة أصبح معها رؤية (المفاتيح) في يد المرأة تثير في أوصالنا الفزع ، حتى ولو كانت تلك المفاتيح خاصة بأبواب المطبخ . ورغم كل ذلك لم يستطع دعاة ( تحريم قيادة المرأة ) من الظهور بنص شرعي يؤكد التحريم . لقد قرأت المعاناة التي مرت بها الكاتبة ( بدرية البشر ) يوم أن لم تستطع تدبر شراء إفطارها في أول يوم من وصولها الرياض ، لعدم وجود سائق لديها ، وهي التي تدير شؤونها بنفسها في مقر إقامتها بدبي .. و( بدرية ) واحدة من مئات المواطنات اللائي يحملن ( رخصة قيادة ) تخول لهن الطواف « بيابسة العالم « كله ، ماعدا أرض الوطن ، حيث يُحرم المجتمع عليهن القيادة ، ويحلل لهن ( الخلوة ) مع السائق الأجنبي ، الأمر الذي أطلق العنان أمام هواة الفتوى ليظهروا بفتاوى تبيح ( الرضاع ) للمخدومين ، كل ذلك من أجل أن توضع الحواجز أمام قيادة المرأة للسيارة . دعونا نسأل إخواننا المعارضين لهذه الفكرة ، وأتمنى أن يجيبونا بكل صدق : أنتم تعلمون بأن ركوب المرأة مع رجل غير مَحرم لها حرام .. فإذا كانت المخارج أمامكم هي ، إما قيادة المرأة للسيارة ، أو قبول الاجتهاد الذي طرحه البعض الخاص ( بالرضاع ) ، فأيهما المقبول والأخف الذي يلامس قناعاتكم ؟!. المرأة السعودية اليوم ، وزيرة ، وسفيرة ، وعالمة ، وطبيبة ، ومذيعة ، وأديبة ، وشاعرة ، ومعلمة ، لا تحتاج إلى الوصاية ، وقادرة على تدبر شؤونها ، والدفاع عن نفسها ، تتمتع برجاحة العقل ، وتعي مسألة الشرف جيداً ، فلماذا نحط من قدرها ومكانتها ، ونحجب عنها الثقة ؟ لماذا نعلمها قيادة السيارة في السر ، بين الجبال وفي الصحاري والأودية ، ونحرمها عليها في شوارع المدن ؟! لماذا صفقنا لتلك الفتاة التي أنقذت والدها وبعض المواطنين من خطر السيول التي داهمت مدينة جدة الشتاء الماضي نتيجة إلمامها بقيادة السيارة ، ونعتناها بأجمل النعوت ؟! بينما كان ( السائقون غير الرضع ) حيارى أمام هدير السيول ؟!. أسألكم .. أنتم .. يامن تجوبون أطراف العالم ، وتشاهدون شقيقاتهن من النساء وهن يقدن السيارات في دول الخليج ، والدول العربية ، والدول الغربية ، هل تعرضتم لأولئك النساء ؟! لا أظن .. لأن التربية الإسلامية مغروسة في نفوسكم ، ولاشك بأنكم ستكونون كذلك في وطنكم ، فأولئك شقيقاتكم ، وبناتكم ، وأمهاتكم . وهن أولى بالتصريح بالقيادة من زرع ( الجنس الأصفر ) بينهن داخل مقصورات ضيقة يسمع السائقون فيها شهيقهن وزفيرهن ، ويطلعون على أدق أسرار العائلة ، لماذا نمنح السائق الثقة لإيصال زوجاتنا ، وبناتنا إلى أعمالهن ومدراسهن وللتسوق بينما نحرم ذلك على أقرب الأقربين ؟!. دعونا نتصارح مع أنفسنا ، كيف نسمح لها بالابتعاث إلى الخارج ، ونسمح لها أن تمارس عملها كطبيبة ومحاضرة وتاجرة وصحافية ، ومفتشة في دوائر الأمن ، ونقف في وجهها عندما ترغب في أن تعتمد على نفسها في ذهابها وإيابها وتشعر باستقلالها ، لاسيما وأن المفروض عليها غير مَحرم لها .. أحسنوا الظن بنا كشعب مسلم ومتحضر ، وأحسنوا الظن (بنصفنا الآخر) وامنحوهن الثقة ، فإنهن جديرات بها .