انتهت معركة إقامة مسجد ومركز ثقافي ضخم، على بعد شارعين من موقع برجي التجارة العالمي، اللذين دمرتهما هجمات 11 سبتمبر 2001، انتهت بانتصار السماحة والعقل، والانحياز لكل القيم العليا التي قاتل من أجلها الآباء المؤسسون لأمريكا الحديثة، وفي مقدمتها التنوع السكاني والديني، وصوت مجلس أحياء نيويورك لمصلحة بناء المسجد والمركز الثقافي، بواقع 29 صوتا ضد صوت واحد معارض، فيما امتنع 10 أعضاء عن التصويت، على رغم احتجاجات صاخبة من المحافظين، وعائلات ضحايا الهجمات. وقال رئيس ضاحية مانهاتن سكوت سترنغر، إنه على رغم ضرورة احترام رغبات ذوي الضحايا، إلا أن من حق مجلس الأحياء، أن يحاول الخروج بقرار متوازن، يخدم مصلحة التنوع والتعدد السكاني والديني، في كبرى مدن الولاياتالمتحدة، وندد بمنتقديه وبمن هاجموا الإسلام والمسلمين من معارضي المشروع، وأضاف سترنغر: إن رفض المشروع هو الكراهية بعينها، مؤكدا أنه يتفهم غضب ذوي الضحايا، وقال مفوض شركة نيويورك ريموند كيللي، إنه لا توجد مخاوف أمنية حيال فكرة تشييد مسجد في المنطقة، ويعد المسجد جزءا من مركز عائلي للمسلمين من 13 طابقا، يضم حوضا للسباحة وصالة للألعاب الرياضية ومسرحا. * * * إن ذلك من شأنه أن يذكرنا بأيام اكتشاف وسائل الإعلام الدولية، صنوف التعذيب المروع في السجون الأمريكية السرية، في العراق وأفغانستان ومعتقل جوانتانامو، ونشرت في جميع أنحاء العالم صور انغماس الضباط والجنود الأمريكيين، في أبشع وسائل الإذلال وامتهان الكرامة للمعتقلين العراقيين والأفغان وغيرهم من المسلمين. يومها قال الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، إن الذين ارتكبوا هذه الجرائم هم قلة من الأفراد، لا يمثلون الشعب الأمريكي، ولايلتزمون بالقيم والمثل الأمريكية، ولم يكن ليصدقه أحد، بعد أن نشرت كبريات الصحف الأمريكية والعالمية، أن الذين اقترفوا أعمال التعذيب وجرائم الحرب، إنما كانوا ينفذون تعليمات من أعلى القيادات الأمريكية السياسية والعسكرية. لم يكن الأمر كذلك حين فجر 19 مسلما وعربيا، برجي التجارة العالمية في نيويورك، فتوجهت التهمة الى عموم العرب والمسلمين، وانصبت على رؤوسهم وعلى دينهم شتى الاتهامات والأحقاد الدينية والعنصرية، وعوقب المسلمون والعرب جميعا، وشنت الحرب الإجرامية الدموية على أفغانستان ثم العراق، فتم تدمير البلدين، وسابقت الحكومات الأمريكية والأوروبية، تيارات الحقد والكراهية للإسلام والمسلمين، إن لم يكن بالقول فبالسياسات والأفعال. اليوم نرحب بانتصار السماحة والعقل في نيويورك، ونعتقد أنها بادرة إنسانية كريمة، موجهة للعرب والمسلمين، وأن ديننا يعلمنا دائما عدم التعميم، ويفرض علينا ألا نأخذ الأبرياء بذنب المجرمين.