عندما يتحدث بعض إخواننا عن عبثية المقاومة وضرورة الاقرار بالتفوق العسكري الإسرائيلي وعقلانية رفع الرايات البيضاء وعقد الصلح بأي شكل وثمن، تأتي قوافل الحرية من تركيا واليونان وقبرص والسويد وايطاليا وايرلندا واسبانيا وغيرها من بقاع الأرض لتلقمهم حجراً، ولتبين لهم أن المقاومة ليست بالضرورة صدام جيوش أو عمليات استشهادية، بل المقاومة عمل إبداعي خلاق تمثل يوماً ما في حجر في قبضة طفل فلسطيني وتمثل يوماً آخر في رجل هندي يحمل عصاته ويجر غنمته ويقاوم الامبراطورية العظمى أو في آخر إفريقي دك صروح التفرقة العنصرية بصموده في سجنه وتمسكه بحق شعبه في الحياة. اليوم تأتي بواخر الحرية لتمثل شكلاً آخر من اشكال المقاومة الدولية للاحتلال والحصار والاضطهاد، ولئن كان استشهاد عدد من أبطال الحرية على ظهر السفينة « مرمرة « أمراً رهيباً مفجعاً، إلا أنه بالتأكيد قد ساعد على إبراز هذه المواجهة في ساحة الرأي العام العالمي وإذا استمرت السفن في التوافد إلى غزة فإن إسرائيل سوف تظل تواجه موقفاً حرجاً يظهر للعالم غطرستها وجموحها ومدى الظلم الذي تصبه على الشعب الفلسطيني. هل تكترث إسرائيل؟ لا .. إنها لا تكترث.. على الأقل حتى الآن.. ولكن الرأي العام العالمي يكترث.. فالقادمون على متن هذه السفن في معظمهم هم من مواطني العالم المدنيين المسالمين الذين لا يمكن اتهامهم بالارهاب أو التطرف.. ولقد شاهدنا في الأيام الماضية كيف سارت المظاهرات في كثير من عواصم العالم منددة بجرائم اسرائيل عامة وبالحصار الظالم على غزة خاصة.. وهل للرأي العام العالمي أهمية؟ نعم له أهمية وخاصة إذا كان تحركه مستمراً ومتجدداً.. فالرأي العام العالمي يجعل من تأييد الحكومات لاسرائيل أمراً أكثر صعوبة، والرأي العام في أوروبا يدفع بحكوماتها إلى حث الولاياتالمتحدة على التحرك بصورة أكثر فعالية، والرأي العام في أمريكا وخاصة بين اليهود يساعد الحكومة الأمريكية على اتخاذ مواقف أكثر صلابة تجاه اسرائيل. وأخيراً فإن الرأي العام العالمي يؤثر حتماً على الرأي العام في اسرائيل وربما ساعد على تشجيع الناخبين على التخلي عن طروحات اليمين المتطرف والعودة إلى حكومة وسطية راغبة في التوصل إلى سلام وقادرة على إقراره والمضي فيه. بقي لنا أن نذكر نتيجة هامة من نتائج أسطول الحرية وهي أن العدوان الاسرائيلي على الأسطول قد أثار الرأي العام التركي ضد اسرائيل بطريقة لم يسبق لها مثيل وكسر التحالف الاسرائيلي التركي الى الأبد وأفقد اسرائيل الصديق الذي كانت تتبجح بان صداقته تعني قبولاً اسلامياً لها وان الفرصة قد اصبحت مهيأة لكي تصبح تركيا عنصراً من عناصر القوة العربية في الصراع مع اسرائيل، ولعل بعض اخواننا من الاستسلاميين سوف يتساءلون وهل سوف تحارب تركيا نيابة عنا؟ فنقول لهم عودوا إلى البداية لتعرفوا أن ليس بالحرب وحدها تكون المقاومة!!.