بعدما تغير نمط الحياة فى مصر حسمت المنتجات البلاستيكية ساحة المنافسة لصالحها باتت الحرف القائمة على النخيل مثلها مثل عشرات الحرف التقليدية الأخرى , حرفاً مهددة بالاندثار والضياع , وذلك فى ظل غياب التوثيق العلمى الدقيق لها , وعدم توافر قواعد المعلومات الدقيقة عن المشتغلين بها , أو رصد بحثى لمستويات إنتاج كل حرفه منها , وما يهددها من مخاطر , وكيفية تطوير المهدد منها , وهى مسئولية تحملتها جمعية « أصالة» للفنون التراثية والمعاصرة من خلال إصدارها موسوعة الحرف التقليدية كأول موسوعة من نوعها فى العالم العربي . كتاب « الحرف القائمة على منتجات النخيل هو الجزء الرابع من موسوعة الحرف التقليدية فى مصر التى يرأس تحريرها الفنان عز الدين نجيب وشارك فى المادة العلمية الباحثان د. السيد رشاد وفؤاد مرسى والذى صدر مؤخرا عن جمعية « أصالة» لرعاية الفنون التراثية والمعاصرة وخصص للحرف التقليدية القائمة على منتجات النخيل. فى تقديمه للكتاب وتحت عنوان « سيدة الشجر .. واهبة الحرف» يقول الفنان « عزالدين نجيب» : « شجرة الفردوس أو سيدة الشجر .. هكذا كانت النخلة فى منظور قدماء المصريين وفى منظور العرب الأولين وبها ارتبطت معانى الخير واليُمن والبركة , وكذلك ارتبطت بفرح الانسان واستقراره كونها مصدره الآمن للرزق فصنع من جريدها أثاثا بديع التشكيل ومن خوصها سلالا غنية بالزخارف . ورد ذكر النخلة بالقرآن الكريم فى آيات عدة وأوصانا بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم خيراً , حتى نقل عنه قوله أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذى خلق منه ادم . كتاب « الحرف القائمة على منتجات النخيل « يتقصى منقبا عن أصول النخلة فى التاريخ والعقائد والقيم الاجتماعية والأدب والغناء الشعبي , ومستعرضاً للمنتجات الحرفية المستخرجة منها وما تقدمه من أغراض نفعية , وما تتضمنه من أنماط جمالية شديدة الثراء , لا تمثل فحسب شخصية الإبداع الشعبي للجماعة المصرية بل تمثل كذلك التميز الخاص بكل اقليم بمفرداته الجمالية وقدرته على التشكيل المضفر بما يختزنه المنتج من مضمون ثقافى يضرب بجذوره فى وجدان الشعب وفى عمق التاريخ . يتوصل الفريق البحثى الميدانى ( حمدى سليمان, عبده الزراع , عليه طلحة , محمود ذكرى ووحيد أمين ) إلى ان الحرف القائمة على منتجات النخيل كانت هى الأسبق بين عشرات الحرف المستمدة من أية خامات أخرى منذ حقب التاريخ المصرى القديم مروراً بالحضارات اللاحقة وكانت كذلك الأكثر استمرارية فى الوجود والانتاج حتى اليوم برغم كل المتغيرات الوظيفية والاجتماعية وبرغم انها الأكثر تقشفاً فى الخامات والأدوات والتقنيات والتكاليف . هذا العمل البحثى يثبت – استمراراً لما سبقه من اجزاء الموسوعة – أهمية دراسة الموروث الحرفى لفهم العلاقة الديناميكية بين الثوابت والمتغيرات فى حياة الشعب المصرى وتطوره على مر الزمان فهو لا يكتفى بمنحهم الرصد والتوثيق التاريخى الميدانى لظواهر الحرفة بل يستكمله بالمنهج التحليلي للمنتج الحرفى عقائدياً واجتماعيا واقتصاديا وجماليا مما يجعل من هذا المنتج دالة حية على طبيعة الشخصية المصرية فى وعيها التاريخى بالحياة والوجود والقيم الروحية والأخلاقية والجمالية.