المتأمل بدقة في مشهد الشارع الإيراني في الذكرى الأولى على انتفاضة المعارضة الاحتجاجية العاشر من حزيران على ما اعتبروه تزويراً لإرادة الناخبين وإسقاطا لمرشحهم السيد مير حسين موسوي يلحظ فيها المراقب قضايا مهمة جداً لا يمكن أن تغفل عن إعادة قراءة وضع الشارع الإيراني وقياس قوة الاحتجاج داخل تياراته الفكرية وبالذات اليسار وتقدير حجم الكسب الشعبي سواءً لفريق السيد علي خامنئي والرئيس نجاد أو لساحة المعارضة المختلفة في أصولها الفكرية والمتفقة على إعادة صياغة النظام برؤية جديدة كليا . فكِل اللقطات التي عرضتها الجزيرة والعربية لمظاهرات احتجاجية متفرقة ومكثّفة رغم دعوة قيادات المعارضة بعدم الخروج تأميناً لسلامة المواطنين المتعاطفين مع حركة التغيير والتي برز معها موافقة قيادات اليسار العقائدي مع دعوة موسوي وكروبي اتقاءً لسقوط دامٍ إثر بروز نزعة قوية في الجنوح لتوسيع التصفية الجسدية للمتظاهرين بعد أن قُتل العديد منهم في السجون في ظروف غامضة ، كُل ذلك لم يمنع تلك المظاهرات وحملات التكبير في طهران ومدن إيران الرئيسية التي تزامنت مع خروج مكثّف للإيرانيين في المنفى وتصعيد صوت الاحتجاج بما فيه استهداف السيد متقي برمي الطماطم الفاسد ومحاصرته بالهتاف أيّها الدكتاتوري بعد سلسلة لمقاطعته من المحتجين الإيرانيين في المنفى الأوروبي ، هذا البروز للذكرى مع رفع الظاهرة الصوتية من عمق الشارع الإيراني ، يُشير بقوة إلى حجم الاحتقان الذي تعيشه شرائح ليست بالهينة من الشعب الإيراني في رسالة واضحة بأن قوة المعارضة لم تنحسر خلافاً لما تقوله صحافة المحافظين ، ولعل تلك المؤشرات المهمة تدلل على أنّ التحرك الجماعي لو جرى بالفعل لأحدث تصادما خطيراً ، لكن وعي قيادات المعارضة كان أذكى وخاصة في ظل تصادم رغبتهم كمعارضين مع الموقف الأحمق والانتهازي لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون والذي أسفت فيه على عدم خروج المظاهرات . وفي هذه المسألة إشارة إلى إستراتيجية عميقة لدى المعارضة وثقة في مرحلة تصعيد الاحتجاج وان كان الأمر حتى الآن لم يصل إلى التنسيق للأهداف المركزية بين فريق الإصلاحيين في جناح النظام السياسي ذاته وبين اليسار الاشتراكي الثوري واليسار الديني التقدمي إضافة لحركة الشباب الحر الناقم على نمطية النظام الديني الإيراني ، فهذه المسارات المعارضة الأربعة هي المتواجدة في الشارع وهي كذلك فاعلة في شبكة الانترنت المختلفة والإسناد الالكتروني والاعلامي ، أمام ذلك تبرز دائرة قلق قوية داخل المحافظين من تضعضع العلاقات الداخلية فخلال الفترة القصيرة الماضية تم إسكات حفيد الإمام الخميني من على المنبر من قبل جمهور موجه من الأمن الإيراني ، وكذلك تم إغلاق مكتب الإمام المنتظري نهائيا في قم رغم برنامجه العلمي الذي يبقى في دائرة المعارف إضافة إلى ممارسات قمعية عديدة داخل الشارع الديني الحوزوي والعام ، كل ذلك يشير إلى حالة قلق كبيرة يعيشها التيار المحافظ وشعور متزايد بعدم القدرة على إعادة الأمور إلى نصاب ثابت لجمهورية النظام الديني لإيران . ورغم أنّ طهران قد أحرزت تقدما إثر تعاون المخابرات الأمريكية معها في تسلم زعيم جماعة جند الله وإعدامه ، إلاّ أن الاضطراب المطرد لا يزال يتصاعد داخل المنظومة القومية الفارسية والاذرية وهي عصبية النظام تاريخياً وكذلك حركة التمرد الديني داخل النظام في ظِل جولة جديدة من التصعيد الأمريكي في حرب العقوبات ، ولم يبرز على السطح أنّ هذا الضغط الغربي الذي قد ينتهي بصفقة إلاّ انه لم يحقق حالة التحشيد لمصلحة المحافظين المتوقع في الشارع الإيراني وفقاً للمعطيات المستقلة وليس الصورة التي يصدرها المحافظون للخارج ، وهو ما يعزز الدلالة الخطيرة بان قِدر إيران في ذكرى احتجاجات حزيران الأولى لا يزال بالفعل يغلي وقد يفور من جديد ويقلب المشهد رأساً على عقب.