لم تكتف «وقائع» بما رصدته من مثالب القطاع الصحي بالمدينةالمنورة طوال حلقاتها السابقة، بل استدارت اليوم لتفتش عن أسباب «الفقر» قاتل المجتمعات. وتبحث عن دور الجمعيات الخيرية الغائب والجسور المقطوعة بينها وذوي الحاجة مرتكزة على مسوحات ميدانية وإحصاءات موثقة من المرصد الحضري. كما لم ترتض «وقائع» أن تشير إلى المشكلة فقط -وهذا أضعف الإيمان- بل آلت على نفسها أن تستدعي الحلول من المعنيين وتقف على مرئياتهم في قضية تعد الأكثر وجعا وألما في جسد المدينةالمنورة كشف المرصد الحضري بالمدينةالمنورة في آخر إحصائية أن مؤشر الأسر الفقيرة التي يقل دخلها عن 2000 ريال شهريا، تبلغ 15,9% من جملة الأسر بالمدينةالمنورة. وأوضح المرصد وجود تباين كبير في نسبة الأسر الفقيرة بالمدينةالمنورة، فهناك أحياء تكون فيها نسبة الفقر تقترب أو تساوي “الصفر” كأحياء: “مهزوز - الجماوات- الإسكان- السلام- المطار”، مما يعني ارتفاع المستوى الاقتصادي لهذه الأحياء، بينما هناك أحياء بلغت فيها نسبة الأسر الفقيرة أو كادت أن تقترب من 50% مثل أحياء “العصبة- السيح” ونسبة أقل في أحياء :“بني معاوية- الدويمة- المغيسلة)، وهو ما يدل على مستوى اقتصادي منخفض بصورة كبيرة في هذه الأحياء. 2000ريال وكشف المرصد عن أن الأحياء التي كانت أقل من المتوسط العام (2000 ريال شهريًا)، ويبلغ عدد 40 حيًا، وذلك بنسبة 69% من إجمالي أحياء المدينةالمنورة، وهي النسبة العظمى، بينما بلغ عدد الأحياء حول المتوسط العام “5” أحياء تمثل “8,6” من جملة الأحياء، في حين كان هناك “13” حيًا أكبر من المتوسط العام للأسر الفقيرة بالمدينةالمنورة تمثل نسبة “22,4%” من جملة الأحياء السكنية بالمدينةالمنورة عام 1429ه. ومن خلال هذه الوقائع والأرقام تبرز لنا العديد من التساؤلات عن وجود هذه العدد الكبير للأسر الفقيرة بالمدينةالمنورة، وأين الأجهزة المسؤولة والمختصة عن علاج هذه المشكلة، ولماذا لم يبرز دور صندوق معالجة الفقر في هذا السياق وأين دور الجمعيات الخيرية بالمدينةالمنورة التي يبدو أنها قد انشغلت بأنشطتها وبرامجها وبناء مقرات استثمارية لها عن الفقراء الحقيقيين الذين لا يقفون على أبوابها. غياب الآلية المثير للدهشة يكمن فى أن معظم الجمعيات بالمنطقة انشغلت عن أداء واجبها الحقيقي، خصوصًا مع شح عدد باحثيها وندرتهم وعدم وجود آلية تنسيقية موحدة لجميع الجمعيات، فنجد أن كل جمعية “تغني على ليلاها”، وهو ما يؤكد رقم المرصد الحضري والذي اطلعت وزودت به الجمعيات كافة. ورغم ذلك لا زالت هذه الجمعيات بعيدة كل البعد عن مشكلة هذا الفقير الأساسية، ورفعت في وجهه برامج "التنظير" فمنهم من يريد أن يعطيه "الفأس" ومنهم من يريد أن يعلمه "الخياطة"، وتتناسى هذه الجهود أنه من المفروض أولا إخراجه من حالة "الكفاف" هو وأبناؤه وآباؤهم، ومن ثم التفكير في تأهيله للعمل، وحتى لا يفهم الحديث خطأ فكل الجهود مقدرة ولكن يجب أن يكون هناك أولويات. الشطة وحكاية “البطانية” ولعل أبرز ما يؤكد هذه العشوائية في أعمال الجمعيات قصة المواطن (ع.م) والتي تندر بها المجتمع المدني، وكانت مثار سخرية كل من سمعها، حيث قامت جمعية البر بمنح هذا (المواطن) كرتونتين (شطة) بعد أن تقدم بطلب لجمعية البر عن حاجته وأسرته فقررت الجمعية صرف هذه "الشطة" له ولأسرته، والغريب أن تاريخ صلاحية هذه "الشطة" ينتهي بعد 20 يوما من استلامه لها، وهو ما أدى إلى رفض شرائها منه، إمعانا في زيادة حرقته وأسرته. ومن المفارقات أيضا التي لا تنتهي قيام جمعية البر بصرف "بطانية" لأحد المواطنين مساعدة له، ومن العجيب أن التوقيت كان "صيفًا"، بجانب عبوات من زيت للقلي وملح، مع العلم أن المواطن كان يريد مساعدة الجمعية له في دفع إيجار منزله وأسرته، والذي هدده مالك المبنى من طرده وأسرته وهو ما تحقق لاحقًا.