مصائب قوم عند قوم فوائد، أو هكذا يقال في الأمثال وتوصيف أحوال الناس حتى وإن لم يعد ذلك قائما بتطابق كامل في عالمنا اليوم، هذا العالم الذي تتقاطع فيه المصالح وتتشابك مثل خطوط الطول والعرض في الجغرافيا أو أشد، فالهزّة هناك لها مردود وارتداد هنا، والكل ليس بمنعزل عما يدور في الطرف الآخر من الأرض، ولكن يمكن اقتناص الفائدة من ذلك من الساعات أو الدقائق التي قد تسنح لنا قبيل وصول ردة الهزّة أو تمدّد رماد البركان، لنلملم ما في الوسع لملمته، ونعد ما نستطيع إعداده لتلافي الخسارة أو جعلها في أضيق نطاق ممكن، هكذا إذن ينبغي أن ننظر للأزمات التي تظهر بين الحين والآخر، أو بالأحرى بين لحظة وأخرى، إذ لم تعد الأحداث كما كانت في سالف الأوان تخرج وتنتشر على مهل بين الناس، وإنما تترى بسرعة البرق وتتولد كالفقاعات، لكنها فقاعات شديدة اللزوجة ومستعصية على التلاشي والزوال، فما كاد مسلسل الدولار الذي انطلقت حلقاته من وول استريت في بلاد الكابوي يشرف على نهايته حتى ظهر في المسرح مسلسل اليورو، الذي تدور أحداثه وشخصياته في بلاد الإغريق، أرض الحكمة والفلسفة وكأنهم أرادوا تذكيرنا بأن الأرض ما تزال كروية حتى بأحداثها، ولم يكن العالم في المسلسلين في موقع المتفرج المستمتع بالمناظر والحبكة الدرامية، وإنما هو جزء أصيل من السيناريو والشخوص الرئيسية فيه، فالكل ممثل وكومبارس ومشاهد؛ إنها الملهاة الكبرى والكوميديا الكونية السوداء، تجوب الدول بلا استثناء، وتجبرها على الضحك والبكاء في آن واحد. نعم .. إن مصائب قوم عند قوم فوائد، فالأزمة يونانية الجنسية، واليورو ليست عملتنا فحسب وإنما هى رقعة جغرافية وتكتل اقتصادي فريد، نسعى نحن في مجلس التعاون الخليجي لنحذو حذوه، ونقتفي أثره باستصدار عملة موحدة، قد تسمى الهيلدر كناية عن الحروف التي تجمع العملات الخليجية أو الخينار بمعنى الدينار الخليجي، وربما لاهذا ولا ذاك.. ولكنها عملة ستصدر وتسمى على كل حال لتعبّر عن وحدة مجلس التعاون الخليجي، ورغم رباعية الموافقة، فسوف تلحق بالركب دول المجلس الأخرى، وتتسع الدائرة ربما لأخريات من خارجها تماماً كما في التجربة الأوروبية، فما الدرس الذي يجب تعلّمه؟ والعبرة التي يمكن استخلاصها من أزمات تمحورت كلّها حول العملات والتكتلات والأنشطة الاقتصادية بوجه عام، حتى نخرج للعالم بأنموذج مختلف أكثر ثباتاً وأصلب عوداً من أي عملة أو أي تكتل اقتصادي في عصرنا الحديث؟ أعتقد أن الدروس كثيرة والعبر في متناول اليد وكل الفرص بين أيدينا، فنحن سدنة مفاتيح الاقتصاد العالمي بمخزوننا الهائل من الطاقة، ولدينا من الخبرات في عالمنا العربي الواسع ما يفي بتحقيق هذا الحلم ويزيد، إذا اعتبرنا بالاخفاقات واستثمرنا النجاحات بذكاء. نافذة : مصائب الآخرين عظات وعبر