انتهى قبل أيام حفل تسليم الفائزين بجائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة والتي رعاها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز في احتفال تجلى باستضافته بيت الثقافات العالمي بمقر منظمة اليونسكو، العالمية، وفي حقيقة الأمر أن هذه الجائزة العالمية تعتبر إضافة جديدة للمملكة ولملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين «أيده الله« الذي عمل على إنشائها وتعود إلى قراءته الواعيه لمسيرة تطور الحضارة الإنسانية وتقدمها، وأهمية دور الترجمة في تحقيق هذا التطور في كثير من المراحل التاريخية، وفي قراءة تحليلية لمنطلقات جائزة خادم الحرمين العالمية للترجمة أجد نفسي مندفعاً إلى تناول هذا الموضوع الهام بشيء من الإختصار في هذه المساحة، أهمها إعترافات المنصفين من أبناء المجتمعات الغربية بإسهامات العلماء العرب والمسلمين وفضلهم في نهضة أوروبا وتجاوزها لمرحلة الظلام التي عاشت بها العصور الوسطى، وأن التنوع في مجالات الجائزة بين العلوم الإنسانية والتطبيقية، يؤكد واقعية التواصل وتعزيز آليات الحوار الحضاري بين الدول والشعوب وأتباع الأديان السماوية، بالإضافة إلى الإعلاء من شأن النخب العلمية والثقافية والفكرية من الأكاديميين والمفكرين والمبدعين في تحقيق التواصل المنشود، ليس في إطار سياسات الهيئات الحكومية القطرية بل على المستوى الفردي والمؤسسات العلمية والثقافية غير الحكومية، ولا يقتصر ذلك على ما تتيحه الجائزة من فرص التنافس عليها للأفراد والمؤسسات الأهلية، بل يمتد إلى القارئ والباحث وطالب العلم، الذي يتاح له -من خلال الأعمال المترجمة- الإطلاع على ثقافة الآخر وحضارته وفكره وإبداعه، ولا يخفى على أحد حجم الفائدة التي تعود على طلاب الجامعات العربية من إطلاعهم على المراجع العلمية المتخصصة المترجمة إلى العربية، وما يمكن أن تحققه الأعمال المترجمة عبر الإسلام والحضارة الإسلامية من تصحيح وتوضيح للصور المغلوطة التي تشكلت في أذهان كثير من غير المسلمين، عن الإسلام والمسلمين، ولا سيما في المجتمعات الغربية، بالإضافة إلى أن هذه الخطوة تساهم أيضاً في أهمية المعرفة في تحقيق التقارب والتفاهم بين الدول والشعوب، والإجتماع حول القواسم المشتركة التي تدعم التعاون فيما بينها وهو أمر يتفق عليه المختصون في دراسة الاتصال، وقد شملت أيضاً أبعاد إيجاد هذه الجائزة العالمية في هذا المجال بالذات لإبراز بُعد بالغ الأهمية والذي يتمثل في إحترام التنوع الثقافي، والإختلاف الفكري، وخصوصية الهوية الثقافية والحضارية للدول والمجتمعات، بإعتبار هذا التنوع سنة كونية وطبيعة فطرية، ترتبط بإختلاف الأديان، والثقافات، والتقاليد ومعاملة الكل بمستوى حضاري عادل. ولا شك أن الثقافة العربية الإسلامية قادرة على إستيعاب كل المستجدات، بدليل منح الجائزة خلال دوراتها الثلاث للأعمال المميزة والمترجمة من اللغات المختلفة إلى العربية، وكذلك الأعمال المترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، ومن خلال هذه الحقيقة تكتمل الرؤية التي قادت الجائزة لتحقيق هذا النجاح الكبير في سنوات قليلة، وإرتباط هذه الرؤية بمبادرات علمية وجهود كبيرة، لجهود خادم الحرمين الشريفين وأهمها تأكيد التقارب بين الدول والشعوب، وفي مقدمتها مبادرته للحوار بين الحضارات وأتباع الأديان، ودعوته أيضاً للمؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، وغيرها من الجهود الملموسة التي يصعب حصر فوائدها على الإسلام والمسلمين، وفي واقع الأمر إن هذه الجائزة وما حققته وتحققه على إمتداد العالم تعكس أهمية الخطوة كرسالة واضحة من بلاد الحرمين الشريفين وقيادتها الحكيمة في التعامل مع الآخر، وتشجيعه للحوار الإيجابي والتعاون في كل مناحي الخير، بعيداً عن دعاوي الهيمنه والسيطرة، تحت شعارات العولمة، بل العمل الجاد لتعزيز التواصل المعرفي بين الدول والشعوب.