كم كان برنامج الأمان الأسري موفقاً في اختيار موضوع لقاء الخبراء الثالث الوطني، وهو موضوعه العنف الأسري - المنظور الأمني، تحت شعار «أمان الأسرة.. أمن للوطن» بالتعاون مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، وكان تحت رعاية صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز نائب رئيسة برنامج الأمان الأسري، وعقد في 4/6/1431ه الموافق 18/5/2010م، وضيف الشرف والمتحدث الرئيس معالي وكيل وزارة الداخلية الدكتور أحمد السالم، إضافة إلى متحدثين آخرين، والذي استوقفني في هذا اللقاء التالي: أولاً: ما ذكره معالي وكيل وزارة الداخلية حول إصدار دليل إجرائي للعنف الأسري، وهذا مهم للغاية ولكن كيف يصدر هذا الدليل، ونحن لم نتفق على تعريف للعنف الأسري، وليس لدينا أنظمة وقوانين يمكن الاستناد إليها في هذا الدليل، فما الذي سنقوله في هذا الدليل لتوجيه المعُنَّف للحصول على حماية له من مُعِنِّفه، والحصول على حقوقه، فالمرأة المُعنَّفة إن لجأت إلى الشرطة يُطلب منها حضور محرمها، والذي يكون في الغالب مُعنِّفها، وقد لا يكون لها محرم، وحتى عند التحقيق يُطلب حضور محرمها، وقد ذكر العقيد نايف المرواني من شرطة المدينةالمنورة أنَّه كان من نتائج الدراسة التي عملت عن معوقات التحقيق في قضايا العنف الأسري صعوبة وجود محرم للتحقيق، مع أنَّه لا يُشترط ذلك في الإسلام، فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ينص على عدم خلوة امرأة مع رجل أجنبي عنها، وإذا انتفت الخلوة انتفى التحريم، فوجود كاتب المحضر مع المحقق ينفي التحريم، كما نجد الشرطة بعد كتابة المحضر تتصل بأبي المعنَّفة أو بأخيها أو بزوجها لاستلامها، وكأنَّها قاصر ناقصة الأهلية، وقد تُسلم لجلادها، فيمارس معها عنفاً أشد لبلاغها عنه في الشرطة، فبدلاً من أن تحميها الشرطة تُسلمها لجلادها، وإن لجأت إلى المحكمة، فالمحكمة لا تقبل حضورها الجلسة إلاَّ بمعرفيْن من محارمها، وقد تكون غريبة في المدينة المقيمة فيها مع زوجها، وأقاربها في مدينة أخرى، وهي متظلمة من زوجها، أو قد لا يكون لها محرم، فماذا يكون مصيرها أن تتلقى العذاب والإهانة من زوجها لأنَّها لا تستطيع أن تتقدم إلى المحكمة بشكوى ضده تطلب فيها الطلاق منه لعدم وجود محرم لديها، أو من يُعرِّف بها؟!. وإن وجد المعرفان، فإن تقدمت للمحكمة لطلب فسخ عقد زواجها لهجر زوجها لها، أو تعليقه لها، فالقاضي لا يستجيب لطلبها مع أنَّه طبقاً للمذهب الحنبلي لها حق طلب فسخ عقد الزواج إن هجرها زوجها ستة أشهر ويصر على حضور الزوج، وهي لا تعرف أين يقيم، والمحكمة غير ملزمة باستدعاء الزوج، لأنَّه من شروطها كما ذكر معالي وكيل وزارة العدل ذكر عنوان المدعى عليه واضحاً، وإن كانت الزوجة لا تعرف لهاجرها ومعلقها عنواناً، فتظل المرأة معلقة ومهجورة سنوات إلى أن يحضر الزوج، وإن رفض الزوج الطلاق يفاجئنا القاضي بالقول لهذه المسكينة خالعيه، ومخالعته تعني دفع قيمة المهر، وإسقاط جميع حقوقها المالية، وإن كانت المسكينة فقيرة وغير موظفة من أين تأتي بالمال؟، فتضطر أن تستدين إن وجدت من يدينها، وتمضي سنين أخرى حتى تتم المخالعة، وكذا الحال بالنسبة للمطلقة التي يأخذ الزوج أولادها، ويحرمها من رؤيتهم سنوات، والمحكمة لا تعمل لها شيئاً لعدم معرفة الطليقة عنوان طليقها، فكما ذكر أحد المداخلين أنَّ أخته حُرمت من رؤية أولادها اثنتي عشرة سنة، والمحكمة لم تستطع فعل أي شيء لها!!! فقبل أن نطالب بإعداد دليل إجرائي للعنف الأسري لابد أن يكون لدينا أنظمة وقوانين للحماية من العنف الأسري، لا تضاعفه وتساعد على ازدياده كما هي الحال الآن، وما ذكرته نماذج على سبيل المثال. ثانياً: ذكر البعض ضرورة إيجاد مدونة للأحوال الشخصية للحد من العنف الأسري، وهذا مطلب جميعنا يتفق عليه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي ستحويه هذه المدونة إن كان واضعوها هم من تتحكم فيهم المفاهيم الخاطئة للولاية والقوامة، والنشوز، فكما ذكر الدكتور ماجد قاروب في ورقته أنَّ تعامل الجهات الأمنية مع قضايا العنف الأسري تحكمه العقلية الذكورية الخاطئة عن الولاية والقوامة وكذلك العادات والتقاليد والقيود الاجتماعية؛ حيث يتم إغلاق العديد من محاضر الشكاوى بالتنازل الذي تسبب فيه ضعف المعتدى عليه من النساء، أو من الأطفال لعدم وجود بدائل للحماية والإعالة تعين على مواجهة جبروت وطغيان المعتدي، وأضيف وكذلك في الغالب ما يحدث في المحاكم رغم وجود محاضر من الشرطة وتقارير طبية تثبت تعرض الزوجة للعنف من زوجها. ثالثا: المطالبة بإيجاد خطة استراتيجية وطنية للحد من العنف الأسري تشارك فيها وزارة التربية والتعليم حيث تتضمن مناهجها التوعية بحقوق جميع أفراد الأسرة، وكلنا نتفق على هذا المطلب، وأضيف مشاركة وزارة التعليم العالي، والحقيقة إنَّ مناهجنا التعليمية، وخاصة مناهج البنين تحرض على العنف ضد المرأة باسم الدين، فنجد واضع منهج الحديث والثقافة الإسلامية المقررة على الصف ثاني ثانوي، قسم العلوم الشرعية والعربية بنين، طبعة 1428/1429ه الموافق 2007/2008م. يحث على ضرب الزوجة بقوله: (إنَّ من حقوق الزوجة على زوجها الغيرة عليها، وصيانتها، وتحقيق القوامة عليها، فإن من طبيعة المرأة أنها ضعيفة، ولو تُرِكَت دون توجيه ودون الأخذ على يدها فلربما فسدت وأفسدت.) ولوضع هذه الخطة لابد من الآتي: 1. تصحيح الخطاب الإسلامي للمرأة وعن المرأة بتصحيح المفاهيم الخاطئة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالمرأة، وبحقوقها الدينية والمدنية والسياسية والمالية والفكرية والثقافية، وبتنقلها، وبالعلاقات الأسرية والزوجية. 2. إعادة صياغة المناهج الدراسية في جميع المراحل، وفي الكليات الشرعية، والمعهد العالي للقضاء بموجب المفاهيم الصحيحة للآيات والأحاديث النبوية المتعلقة بالمرأة، مع استبعاد الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي بُنيت عليها أحكام فقهية خاطئة. ثالثاً: نتائج التصويت على قضايا جد هامة، فمن جديد هذا اللقاء استخدام التقنية الحديثة في تصويت الحضور على بعض القضايا، ومن أهمها كان هذا السؤال: هل تعتقد بضرورة تعديل الإجراء الذي لا يسمح للطب الشرعي بتقييم حالات العنف الأسري إلا بإذن من الجهات الأمنية مما قد يؤدي لفقدان بعض الأدلة أو تغير نتائج الفحص؟! فأجاب 82.84% بنعم، ولكن هذه النتيجة لم يرض عنها ممثل هيئة التحقيق والإدعاء العام بقوله: «إنَّ الإذن يصدر في نفس اليوم، وعندما وجهتُ إليه سؤالاً إن كانت الحادثة حدثت بعد انتهاء الدوام، كيف يتم الحصول على الإذن، وهناك حالات كالاغتصاب تزول آثار الفاعل الحقيقي بسبب التأخير،وكان رده على مداخلتي بأنه يوجد عامل مناوب يتلقى القضايا، ويبلغ بها بالفاكس...، ومع احترامي وتقديري له، فهذا كلام غير منطقي فالعامل لا يستوعب مثل هذه القضايا، وكل الموظفين خارج الدوام أين يجدهم، فكما ذكر الطبيب الشرعي وليد ياسين في مداخلته أنَّ الإذن أحياناً يتأخر أسبوعين، وخلالها تكون قد اختفت كل الآثار التي تثبت حدوث الاغتصاب، أو التحرش أو أي اعتداء آخر. وإنَّني لأتعجب من هذا الإصرار على الإذن من الجهات الأمنية مع أنَّ هيئة الطب الشرعي هيئة رسمية حكومية مثلها مثل هيئة التحقيق والادعاء العام، فلماذا لا تباشر أعمالها بدون إذن من الجهات الأمنية، وطالبتُ في مداخلتي أن يكون هذا ضمن توصيات اللقاء الثالث، كما طالبتً أن تكون نتائج التصويت التي حازت على الأغلبية ضمن التوصيات. عموماً اللقاء كان منظماً وناجحاً بكل المقاييس.