«المياه ليست هادئة.. أصوات طبول الحرب ستدق قريبا بين دول حوض النيل» كان هذا هو العنوان الاستفزازى الذى افتتحت به صحيفة يديعوت أحروانوت الإسرائيلية تقريرها المفصل عن أزمة تقسيم المياه بين دول حوض النيل، زاعمة أن التحدى المتمثل لدول الحوض يعود إلى احتكار مصر لموارد النهر وبالتالى فهم يرفضون تقديم أى تنازلات أو أى تهديدات، مضيفة أن الحرب من الممكن أن تندلع على المياه بالفعل ولكن ليس بالضرورة أن تنشب خلال العقد المقبل. وفى سياق التقرير تساءلت الصحيفة العبرية عن كيف يمكن لإسرائيل أن تحرك تلك الدول لعمل هذا الانقلاب، لافتة فى الوقت نفسه إلى أن نهر النيل منذ آلاف السنين لا يعتبر فقط مجرد نهر بل إنه يعد شريان الحياة الرئيسى فى مصر، حيث له الفضل الأكبر فى تحويل قلبها من صحراء قاحلة إلى دلتا خصبة تنبض بالحياة، مشيرة إلى أنه منذ القرن الماضى أعطى لمصر الحق التاريخى بالنسبة الأكبر من مياه النهر بمساعدة السلطات البريطانية، على حد زعمها، إلا أن هذا الأمر أصبح يثير أزمة دبلوماسية حقيقية بين دول القارة السمراء. وزعمت الصحيفة أن التوقيع المثير للجدل الذى تم فى مدينة «عنتيبى» عاصمة أوغندا سيعد أكثر عدلاً لتوزيع المياه بين البلدان الأربعة الواقعة على ضفاف النهر وهم «إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا» الذين كانوا يتمتعون بدعم من كينيا. وأشارت يديعوت إلى أنه فى ضوء الاتفاق التاريخى بين بريطانيا ومصر فى الفترة من عام 1929 أعطى لمصر حق الاعتراض على أى مشروع تقوم به أى من الدول الواقعة طول مجرى النهر يؤثر على المياه التى تتلقاها، وتم التصديق على هذه الوثيقة مرة أخرى فى عام 1959 وبعد عدة تغييرات، تم إعطاء نصيب الأسد لمصر من مياه النهر بنسبة تصل إلى أكثر من 55 مليار متر مكعب من المياه، بينما تحصل جارتها السودان على 18 مليار متر مكعب أى بنسبة 87 % لكلا البلدين من مياه النيل. وقالت الصحيفة إن دول الحوض التى تقع على طول 6700 ميل هو طول النهر، فاض بهم الكيل حيث إن حوالى 13% فقط من مياه النهر موجودة تحت تصرفهم، وتلك الدول السبعة فتحت فى العقد الأخير ملف الحوار من جديد على تقسيم مياه النهر بطريقة عادلة ومختلفة لأن المياه أصبحت أكثر تكلفة، ولكن هذه الجهود لم تثمر عن شيء فى ضوء نهج مصر والسودان المستمر لعدم تغيير الوضع القائم وذلك بحجة الاتفاقية التاريخية بالحصول على أكبر قدر من مياه النهر. دول المنبع تصعد الموقف وكانت اثيوبيا في سابقة خطيرة تشير إلى نية دول منابع النيل في تصعيد مواقفها ضد مصر، قد أعلنت عن افتتاح سد مائي على بحيرة «تانا»، والتي تعتبر أحد أهم موارد نهر النيل، وذلك بعد ساعات قليلة من قيام عدد من دول المنابع بالتوقيع على اتفاقية جديدة للمياه بمدينة عنتيبي الأوغندية دون مشاركة دولتي المصب (مصر والسودان) وقالت مصادر اثيوبية إن سد «بيليز» الذى يقع فى ولاية أمهرة الواقعة على بعد 500 كيلو من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والذى تكلف 500 مليون دولار، وتم تمويله بالجهود الذاتية للحكومة الإثيوبية، دون تدخل أى مساعدات أجنبية، سيولد المزيد من الطاقة الكهرومائية باستخدام الموارد المائية لبحيرة تانا، لافتة إلى أنها المرة الأولى التى تستغل فيها إثيوبيا نهر النيل، والذى تشاركها فيه ثماني دول أفريقية. وقال ميهريت ديبيبى، المدير التنفيذى لسد بيليز، أن السد الجديد سيساهم فى زراعة 119 ألف هكتار، وسيمد شبكة الطاقة الوطنية للدولة ب23% من الكهرباء، لافتا إلى أنه سيتم التوسع فى إنشاء فروع أخرى للسد كمراحل أخرى فى الإنشاء حتى يكون بيليز هو أكبر سد مائى فى صحراء أفريقيا، حيث وقعت إثيوبيا اتفاقية تعاون مع شركات صينية لاستكمال باقى الأفرع فى الأربع سنوات المقبلة. مصر تتحدى في المقابل نفى مصدر مصري مسؤول بقطاع مياه النيل، بوزارة الرى استطاعة إثيوبيا زراعة 119 ألف هكتار، «لأن الدراسات التى قام بها فريق من وزارة الرى أثبتت أنها مناطق صخرية وحجرية لا يمكن الاستثمار الزراعى بها»، لافتا إلى أن المشروع سيقتصر على توليد المزيد من الكهرباء فقط. وأكد المصدر أن وزارة الرى قامت بدراسة المشروع من خلال نموذج رياضى استحدثته للكشف عن تأثير مشروعات السدود على كمية المياه التى تصل إلى مصر، لافتا إلى أن دور وزارة الرى انتهى دورها عند ذلك، وتم ابلاغ جهات سيادية أخرى لاتخاذ القرارات المناسبة. قال الدكتور مفيد شهاب وزيرالدولة للشؤون البرلمانية والقانونية إن مصر تتمسك بالحقوق التاريخية السابقة لمياه النيل وأن توقيع الدول الأربع على الاتفاقية ليس نهاية المطاف ولكنه خطوة خاطئة. وأكد إن الاتفاق المبرم بين دول منبع النيل لا يرتب أثرا قانونيا في مواجهة مصر. وأضاف أن التوقيع ليس له قيمة إلزامية بالنسبة لمصر والسودان، لأن أي اتفاق لا يرتب أثرا إلا بالنسبة لمن وقع عليه وصادق عليه، وقال إن «مصر أمامها ثلاثة خيارات الأول هو اللجوء إلى مجلس الأمن في حال قيام دول الحوض بالتأثير في حصة مصر، موضحاً أن الحصة المصرية تحميها اتفاقات دولية وأقرتها مواثيق الأممالمتحدة، وتتمتع الآن بالحصانة الدولية من عشرات هذه القوانين ومنها اتفاقية جنيف، والقانون الدولي للمياه ،1979 واتفاقية الأممالمتحدة للمجاري المائية عام 1997. وأضاف شهاب ان الخيار الثاني هو الضغط على الدول المانحة لمنع تمويل اي مشروعات في دول الحوض لعدم شرعيتها، وقال شهاب إن الخيار الثالث هو الاستمرار في تقديم الدعم والمنح لدول الحوض. وبدوره أكد الدكتور هانى رسلان رئيس وحدة حوض النيل بمركز الأهرام أن مصر والسودان شاركت فى حل 27 نقطة خلاف فى الاتفاقية الجديدة لدول حوض النيل والتي لم توقع بعد وذلك من خلال الحوار على مدى عشر سنوات ماضية ولم يبق إلا 3 نقاط تتعلق بالأمن المائى والحقوق التاريخية لمصر والسودان والموافقة المسبقة. ودعا رسلان إلى ضرورة صياغة إستراتيجية جديدة للتعامل مع دول حوض النيل والقارة الأفريقية باعتبار أن خمس دول من دول حوض النيل تحتاج إلى تنمية شاملة لأنها تعانى من الفقر والحروب الأهلية والقبلية. تدخل خارجي و قال رئيس هيئة مياه النيل السابق أحمد فهمي ل«المدينة» إن «القاهرة والخرطوم فوجئتا برفض دول الحوض التوقيع على اتفاق جديد لتقاسم مياه النيل استمر التفاوض حوله اكثر من 10 سنوات قدمت مصر خلالها كل انواع الدعم لشعوب حوض النيل». وأوضح فهمي أن «القاهرة قدمت منحاً لهذه الدول تجاوزت 200 مليون دولار، شملت ازالة الحشائش في اوغندا وحفر آبار المياه في كينيا واثيوبيا وتنزانيا ودورات تدريبية لمهندسي الري في جميع دول الحوض، اضافة الى استيراد الاحتياجات المصرية من اللحوم والاعلاف من اثيوبيا، كما أصدر الرئيس حسني مبارك تعليمات محددة بضرورة فتح آفاق الاستثمار في اثيوبيا تقديراً لدورها الذي كان يساند الحق المصري، خصوصاً أن مصر تحصل على 85٪ من مواردها المائية من الهضبة الاثيوبية وتسهم بقية دول الحوض ب15٪». وأضاف فهمي للأسف الرفض جاء بطريقة موحدة وتثير شكوكاً كبيرة حول الاتفاق على أجندة موحدة تم ترتيبها خارج دول الحوض، حيث فشلت وفود هذه الدول في الرد القانوني والمنطقي على المطالب المصرية التي تستند إلى قواعد القانون الدولي. وقال خبير المياه والاستاذ في هندسة القاهرة احمد مغاوري إن «واشنطن وتل ابيب تسعيان لجر مصر الى مستنقع حرب لا ينتهي في منابع النيل، وكشف عن تحرك واشنطن مبكراً في اثيوبيا منذ عام 1962 عندما تحركت وزارة الزراعة الأميركية وقدمت دراسات تفصيلية لإثيوبيا عام 1962 لإنشاء 33 سداً على مجرى النهر»، مضيفاً «تحاول الولاياتالمتحدة منذ ذلك التاريخ بالتنسيق مع تل أبيب إقناع بقية دول حوض النيل ال10 بضرورة إنشاء سدود على مجرى النهر بزعم اقامة نهضة زراعية وتوليد الطاقة وإنشاء عدد من الصناعات عليها». وقال مغاوري «تتحرك واشنطن من اكبر قاعدة استخبارات ل«سي اي ايه» في افريقيا بكينيا ومن خطة استراتيجية تقوم على اعتماد اثيوبيا الوكيل المعتمد لوشنطن في افريقيا وقد شكل دخول الجيش الاثيوبي الى الصومال اولى خطوات الوكالة الاثيوبية لأميركا في المنطقة». وأضاف مغاوري أن «إسرائيل طورت مطالب دول الحوض بضرورة الاستفادة من المياه وبيعها لدولتي المصب مصر والسودان، خصوصاً أن هذه الدول تعتمد في زراعتها على مياه الأمطار التي لا يمكن منع نزولها، فإثيوبيا التي تمد مصر ب85٪ من المياه تعتمد في زراعتها على مياه الأمطار بنسبة 98٪، وهو ما جعل حجة احتجاز المياه لإقامة نهضة زراعية غير قوية». إسرائيل وانفصال الجنوب كشف خبير مياه مصرى عن أن إسرائيل تنتظر استفتاء جنوب السودان والمخطط الدولى لترجيح الانفصال لشراء مياه النيل من الجنوب وقال الدكتور عادل بشاي إسرائيل تستعد حاليا لشراء مياه النيل من منطقة جنوب السودان في حالة نجاح المخطط الدولي بفصل شمال السودان عن جنوبه في الاستفتاء الذي سيجرى في 2011م، وإن هذه المياه سوف تصل «إسرائيل» عن طريق مصر بعد دفع رسوم المرور المقررة لذلك، وأوضح أن البنك الدولي يلعب دورًا مواليًا في تنفيذ هذا المخطط؛ حيث يسعى إلى تسهيل المخطط لتوصيل المياه إلى «إسرائيل» وبصورة قانونية. وقال إن فكرة أرض الميعاد ارتبطت دائمًا بنهري النيل والفرات لتحقيق الحلم الاسرائيلي «من النيل إلى الفرات، وقال إن فكرة نقل مياه النيل إلى الكيان الصهيوني أثارها «تيودور هرتزل» مؤسس دولة إسرائيل والصهيونية العالمية عام 1903م في خطابه إلى الحكومة البريطانية والحكومة المصرية أيام الخديوي عباس حلمي الثاني، وفي السبعينيات من القرن الماضي تبلورت الفكرة بالعرض الذي قدمه خبير المياه الصهيوني «إليشع كيلي» صاحب فكرة بيع مياه النيل للصهاينة عن طريق نقلها إلى سيناء ومنها إلى النقب في مشروعه المسمى «مياه السلام» عام 1974م.