ها أنا أعود مرة أخرى إلى الفضاء الذي مللت من نداءاته الموجعة،حيث لاجواب دائما! إلى فضاء المؤسسة التعليمية لدينا،لأقول-ولدي من المبررات الكثير-ان تعليمنا اهدار للمال وجهد الأفراد والجماعات،بخطط وبرامج بلا مخرجات..فهو ليس قيمة إنتاجية داخل سوق العمل،ولا هو داعم مؤثر في إنتاج قيمة ثقافية تنهض بها المجتمعات، كما ان تأثيراته في إحداث الأثر الايجابي للسلوك الجمعي في الواقع المعاش ضئيلة حد التلاشي!ولكم أن تتساءلوا.. هل استفدنا من(تعليمنا)في إشعال وهج الوازع الديني الساكن في أنساغ أبنائنا وفي القضاء على سلوكياتهم المنحرفة؟هل عمل لنا(تعليمنا)شيئا ذا بال في إنتاج كينونات انسانية ثقافية تضطلع بدورها الحضاري تفاعلا مع هسيس الكون الرحيب؟هل أعاننا(تعليمنا)على تكريس قيم نبيلة شتى كالنظام والتكافل الاجتماعي والشعور الوطني؟هل أنتج لنا(تعليمنا)طلابا مؤهلين لخوض غمار المعرفة الحقيقية تمهيدا لولوجهم في صروح البحث والتعليم العالي؟ تعرفون لماذا؟وهل تستطيع مقاربة كهذه استيعاب إجابة(لماذا)تلك؟ولكني أزعم أن السبب الحاسم في إنتاج ذلك المشهد التعليمي هو غياب الرؤية الصحيحة المخلصة للأفكار المنتجة وخطط العمل الخالصة،فما يخرج عن المؤسسة التعليمية ينبثق عن فكر نمطي يستند-دائما-إلى نماذج جاهزة تدعي اكتمال الحقيقة مع ان الفكرة الحية والخصبة-التي نحتاجها أبدا-لاتزعم انها انعكاس تام للحقيقة كما تحققت لدى الآخرين بقدر ماهي صيغة للتعايش تجترح معها إمكانات الحياة بالاشتغال على المعطيات وتحويلها إلى إنجازات.تبرز هذه الشواهد المتوترة في عدة مشاهدة تعليمية،لعل أبرزها مايأتي: 1-تداخل البرامج التعليمية في وقت واحد والنظر إليها دائما بكونها تجارب تدل على فقد مشرعيها للعمل وفق خطط علمية رصينة مصاغة بعناية..خذوا على سبيل المثال البرامج التعليمية الآتية التي تسير جنبا إلى جنب(تطوير-المدارس الرائدة-الثانويات المطورة-مدارس التعليم الشامل-التعليم الالكتروني-التعليم بحسب المنهج الحديث لمادة الرياضيات-المدارس التقليدية)،فهذه الثانويات المطورة والتي ألغيت فجأة منذ سنوات تعود الآن بمسمى جديد(المناهج المطورة)وبرنامج التقويم المستمر لطلاب المرحلة الابتدائية على وشك الالغاء بعد أن أثبتت الوقائع التعليميةعدم جدواه على مدى عقد من الزمن..وهكذا.وبالتالي فإن العمل عندما يكون متشتتا على هذا النحو يفقد مصداقيته وإنتاجيته الايجابية على عكس العمل المؤسساتي بحسب منظومة متسقة الغايات والأهداف وخطط العمل وخطوات الممارسة. 2-ومن تلك الشواهد التعليمية المتوترة مايسمى باختبار القدرات والاختبارات التحصيلية لطلاب المرحلة الثانوية،والتي تؤكد فيها المؤسسة التعليمية حقيقة انعدام الثقة في مخرجاتها،مما شجع الجامعات(والحال من بعضه)على تحجيم مقدرات هذا التعليم للدرجة التي لاتتجاوز نسبة الأخذ بمعدل الثانوية إلى30/في معظم الجامعات،بأداة(مركز) بسيط أنشئ فجأة استنادا إلى الزعم السابق إياه بامتلاك معايير الحقيقة(كما تحقق في تجارب الآخرين بطريقة الاستيراد)ليتحكم في مقدرات مؤسسة تعليمية كبرى(بحجم وزارة)تنهض بمشروع تعليمي يستمر اثنتي عشرة سنة خصصت له حكومتنا الرشيدة أكبر حصة في ميزانيتها السنوية،ليستمر ذلك التضارب المخل في الخطابات، فليس ثمة انسجام معرفي تحصيلي بين مقدرات المؤسسة التعليمية ومقدرات المركز الوطني للقياس إياه،فكلاهما يسير في خطين متعاكسين،ليجد الطالب نفسه أمام مقاييس لم يتهيأ لها على الاطلاق،بل ان ساعاته الأربع الممتدة الى منتصف الليل هي الأكثر قدرة على تحديد مصيره المستقبلي.وتحدث المفارقة عندما تحاول بعض تجليات المؤسسة التعليمية-ذاتها- إقامة دورات تأهيلية-في الوقت الضائع-أشبه بالدروس الخصوصية السريعة التي يعطيها فاقدو الكفاءة لطلاب ضعاف(أصلا)مع ان كلا الطرفين يعرف زيف العمل من الأساس،ولكن لابد من ممارسته لتحقيق بعض من الاطمئنان الانفعالي في القلوب الوجلة!وليس في العقول الرصينة(بالتأكيد).وفي الجهة الأخرى نجد ان الحال ينطبق على(الاختبارات التحصيلية)والتي تستهين بثقة مفرطة-وبثلاث ساعات فقط-بالتراكم المعرفي الذي(يتوقع)أن الطالب قد اكتسبه خلال سنوات دراسية مديدة،وهي بالتالي لايمكن ان تقيس أقل مستويات المعرفة تحليلا وتركيبا(كما هي عند طيب الذكر بلوم مثلا).كان من الأجدر حقا أن تضطلع المؤسسة التعليمية بهذين المشروعين ضمن أحد برامجها المتعددة أو من خلال أحد أشكال الاختبارات التي لاتنتهي في مدارسنا! 3-هل أحدثكم أيضا عن الشهادات العليا المزورة أو المجهولة لقادة العمل التربوي(على مستوى مديري تعليم أو رؤساء أقسام في الادارات التعليمية)..أليست تلك كارثة بكل المقاييس؟فإذا كان ذلك صنيع رواد مشروعنا التعليمي التربوي فماذا ننتظر إذا؟(صحيح)إن الوزارة لايعنيها ذلك الأمر بل أنها تجتهد في وضع العراقيل أمام كل معلم طموح يبتغي(مواصلة)الدراسة وطلب المعرفة،ولكن ذلك لايبرر تلك الممارسات غير النزيهة أبدا! 4-..وآخر هذه الشواهد التعليمية بقاء المعلم دائما بمعزل عما يجري حوله في المؤسسات التعليمية-باعتبار ان المعلم لابد أن يظل مستهلكا منفذا فقط للتجارب الجاهزة لأصحاب السعادة -فجميع مايصدر عن الوزارة وإداراتها الحكومية من(تعاميم)و(برامج)و(توصيات)لاناقة للمعلم فيها ولاحتى(حوار)!على الاطلاق.. وبعد فإن المساحة لاتتسع-بالطبع-لاستكمال ذلك الوجع المرير ولكني سأقول-فقط-اننا متى أردنا اصلاح الشأن التعليمي وانتظار ماينتظر-فعلا-من مخرجات تعليمية تربوية حقيقية تنقلنا بالفعل من زمن الكتاتيب الجميل إلى اللحظة الحضارية الخالصة فنحن في حاجة فعلا إلى قرار يضطلع به ولاة أمرنا-حفظهم الله-لإعادة بناء(التربية والتعليم)من جديد،و(مواصلة)هذه الحملة المباركة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين.