عندما تلقّى الدعوة لحضور حفل تسليم مفتاح المدينة، وقف أمام المرآة مزهوًا يحدّث نفسه حينًا، ويترنم بأشعار غير مفهومة حينًا آخر. نظر إلى عطفيه، مط عنقه، زم شفتيه، وحرّك الربطة التي ألقت القبض على عنقه بقوة، حتى أخذت موقعها الصحيح. نفض معطفه وأصلح من شعيرات كانت تحجب عنه الرؤية، وأرسل زخات من العطر على المنديل الأحمر الذي كان يحتل مكانًا بارزًا على صدره، مد رجله اليمنى خطوات إلى الأمام، وأخرى إلى الخلف، حتى قالت له المرآة إن كل شيء على ما يرام. حمل حقيبته واتجه إلى المطار على عجل، لم يعكر مزاجه الصافي إلاّ ذلك السؤال العصيّ على الإجابة، لمن سيسلم مفتاح المدينة؟ عندما صعد سُلَّم الطائرة، وأخذ مقعده، سمع الناس من حوله يتهامسون “لمن سيُسلّم مفتاح المدينة الليلة؟”. هبطت الطائرة بسلام وعند مخرجها شكره الملاح على اختياره لطائرتهم، وأخذه جانبًا وهمس في أذنه قائلًا “لا تنس حفل تسليم المفتاح الليلة يا سيدي”، هز رأسه ومضى لشأنه. في ممرات الفندق كان النزلاء والخدم وحاملوا الحقائب يتهامسون عن صاحب الحظ السعيد هذه الليلة، أدرك ما يصبون إليه، امتلأت القاعة بالحضور وشهدت جدلاً واسعًا، اقترح بعضهم تسليم المفتاح للعمدة، وقال آخرون يسلم لقاضي المدينة، واقترح فريق ثالث تسليمه للأمين، وفي نهاية الجدل استقر الرأس على تسليمه للأمين، فجأة نهض الناس في حركة متموجة فقد حضر المفتاح يحمله سبعة رجال. استقبلهم الأمين، كان فارع الطول بهي الطلعة قوي العضلات، استلمه منهم ووضع يده اليمنى على أسنانه واليسرى على مقبضه ثم رفعه ليُري الجميع، أنه قادر على حمله. اهتز جذعه، خارت قواه وفجأة سقط مغشيًا عليه، هرع الجميع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكنه فارق الحياة. في اجتماع التأبين كان الهمس لا يزال مستمرًا والسؤال الملح يتردد في جنبات قاعة العزاء هل مات الأمين حقًا؟. ولمن سيسلم المفتاح؟ أما الصبية الصغار وعامة الناس الذين لا يدركون ماذا يدور فقد كانوا خارج القاعة يصفقون ويرددون الأرجوزة التي يستثير بها أطفال السراة طائر الصُّويَّا الذي يصيح في الجو يبحث عن ولده، ولكنه لم يفعل شيئًا فيقولون: “يا صُوَّيَّا ولدك طاح بين الضَّبَّة والمفتاح.. يا صُوَّيَّا ولدك طاح بين الضَّبَّة والمفتاح.. يا صُوَّيَّا ولدك طاااح... طاااح... طاااح....»