* قدم خادم الحرمين الشريفين من خلال سرعة إصداره لقرار تشكيل لجنة تقصي الحقائق أولاً ثم من خلال تكليف هذه اللجنة بسرعة الإنجاز ثم أخيراً من خلال إصداره حفظه الله للقرار النهائي يوم أمس الاول ، فكراً ادارياً راقياً هدفه الإصلاح وحماية الوطن والمواطنين في بادرة غير مستغربة من ملك أسر القلوب بحبه لوطنه وشعبه واظهر مدى ما يحمله من فكر إصلاحي تطويري من خلال اصدار هذه القرارات ثم من خلال سرعة تنفيذ هذه القرارات وانجاز المهمة وهو ما يحسب ايضا للجان التي تولت تنفيذ هذه القرارات حتى وصلنا الى هذه المرحلة المتمثلة في تحديد الأسباب والعلاج. المحامي سليمان الجميعي قدم ل “المدينة” قراءة قانونية لقرار خادم الحرمين الشريفين حول فاجعة سيول جدة .. يقول : بقراءة سريعة للقرار نجد انه اشتمل على 5 بنود رئيسية وبذلك يكون كل بند من هذا القرار كان مختصاً بأحد اسباب الفاجعة دون ان يحدد صراحة في القرار ولكن من خلال الحلول التي شملها كل بند نستشف أن أسباب الكارثة تمثلت في التالي: 1- الفساد المالي والاداري: نظراً لكون الفساد أمرا مكروها ومجرما شرعاً وقانوناً فقد تصدر قرار خادم الحرمين الشريفين وفي بنده الاول أمر معالجة الفساد من خلال إحالة جميع المتهمين في هذه الفاجعة إلى جهات الرقابة والتحقيق وهيئة التحقيق والادعاء العام فهيئة الرقابة والتحقيق هي جهة رقابية وجهة تحقيق وجهة ادعاء في نفس الوقت وهي هيئة محترفة تمتلك خبرات طويلة في مجالها واثبتت في الفترات الماضية حسن ادارتها لما تختص به ملفات وقضايا استناداً على تطبيقها للمعايير القانونية العالمية في التعامل مع القضية منذ بدايتها واعتمادها على الادلة و المستندات في توجيه الاتهام ومسارعتها دائما لتطوير كوادرها ومحقيقيها مع كل جديد فهي تعبتر أحد الجهات التي تنافس باحترافيتها أي جهة تحقيق وادعاء في أي دولة متطورة من العالم وسننتظر هيئة الرقابة والتحقيق في القضايا المحالة إليها طبقاً لاختصاصاتها ا لمتمثلة في الرقابة على الموظف العام والتحقيق مع المتهمين وتحديد التهم وتحديد الادلة ورفع الدعوى أمام ديوان المظالم سواء كانت هذه التهم مالية بالتعدي على المال العام أو رشوة أو خلال اداري أو مسلكي للموظف العام أو كانت هذه الجرائم جرائم تزوير. أما ما يخرج عن اختصاص هيئة الرقابة والتحقيق من تهم وجرائم فقد أحالها القرار السامي الى هيئة التحقيق والادعاء العام وهي هيئة مستقلة تقوم بنفس دور هيئة الرقابة والتحقيق وتسير على خطاها على اختلاف الاختصاص حيث اختص هيئة التحقيق والادعاء العام بالنظر في قضايا اخرى تخرج عن اختصاص هيئة الرقابة والتحقيق مثل قضايا مكافحة الغش التجاري أو قضايا مكافحة التستر التجاري فقد يكون ظهر من خلال التحقيقات أمام اللجنة بعض مثل هذه القضايا التي تخرج عن اختصاص هيئة الرقابة والتحقيق ولذا قامت بالإحالة الى هيئة التحقيق والادعاء العام. مستندات ادانة المتهمين لم يكتف الامر الكريم باحالة من تم التحقيق معهم وثبت للجنة وجود ادلة ومستندات تدين المتهمين بل ذكر القرار أن هناك أسماء وردت في تقرير اللجنة ولم يتم استكمال التحقيق معهم فقد كلف القرار الجهات المختصة في وزارة الداخلية بإكمال التحقيق معهم وسماع أقوالهم واستدعاء من يتطلب التحقيق استدعاءهم وسماع أقوالهم ومن ثم احالة ملفات قضاياهم الى الجهة المختصة بعد انتهاء التحقيق أما الى هيئة الرقابة والتحقيق أو إلى هيئة التحقيق والادعاء العام بحكم اختصاص كل جهة. كما كلف القرار ايضا جهات الضبط المختصة في وزارة الداخلية باستدعاء من لم تتمكن لجنة تقصي الحقائق من استدعائه والاستماع إلى أقواله أما بسبب عدم وجودهم في المحكمة أو لسبب غيابهم عن التحقيق لعارض صحي مثلا او خلافه وبذلك فهم يعتبرون الان مطلوبون للعدالة لحين حضورهم والتحقيق معهم وسماع أقوالهم. في الفقرة الرابعة من هذا البند: من البند الاول معالجة لحالة ظهور قضايا اخرى أو اتجاوزات أخرى ليست لها علاقة بكارثة السيول وقد حدد القرار كيفية التعامل مع مثل هذه التهم والقضايا من خلال فرز أوراق مستقلة وملف لكل قضية واحالة كل قضية الى جهات التحقيق كل حسب اختصاصه. 2- السبب الثاني للكارثة (قنوات تصريف السيول بجدة الصرف): تصدى القرار الحكيم لما يفهم انه السبب الثاني للكارثة وهي بحيرة الصرف وقنوات تصريف السيول من خلال النص على مفردة(اعتماد ما يلي وبشكل عاجل) وهذا يوحي بحجم الاخطاء والاضرار التي تسبب بها وجود بحيرة الصرف وحجم الاخطاء الموجودة في انسيابية عمل هذه القنوات السيول مما حدى بالقرار الى الأمر بتكليف وزارة الشؤون البلدية والقروية بفتح وتحديد هذه القنوات الثلاث حتى مساب الأودية شرقاً وتمديد القناة الشرقية لتصب في شرم أبحر وهذا يعني ان هذه القنوات لم تكن تعمل بالشكل المطلوب وكون القرار قد كلف وزارة الشؤون البلدية والقروية بفتح هذه القنوات وكلفها ايضا بمعالجة وضع بحيرة الصرف الصحي والعمل على التخلص منها نهائياً خلال سنة من تاريخه يؤكد على ان وضع هذه البحيرة والقنوات قبل الكارثة كان به اخطاء جسيمة وان المسؤولة عن هذه البحيرة وقنواتها كانت وزارة الشؤون البلدية والقروية لذا صدر القرار بتكليف الوزارة بمعالجة الاخطاء من خلال التخلص من هذه البحيرة على المدى الطويل مدة عام كامل وفي المدى المنظور كلف القرار وزارة الشؤون البلدية والقروية بفتح القنوات بصفة عاجلة. وقد أشرك القرار امارة منطقة مكةالمكرمة لتعمل بجانب وزارة الشؤون البلدية والقروية على ازالة جميع العوائق امام جميع العبارات والجسور القائمة لتحرير مجاري السيول اما بقنوات مفتوحة او قنوات مغطاه. ويفترض ان تكون وزارة الشؤون البلدية والقروية وامارة منطقة مكةالمكرمة قد شرعت فعلاً في هذه الحلول والمعالجة منذ صدور القرار كون القرار عنون هذه البند بمفردة (اعتماد ما يلي وبشكل عاجل). ثم ختم القرار الكريم هذا البند بالفقرة الخامسة والتي أظهرت أحد أهم اسباب هذه الكارثة والمتمثل في تطبيق المنح والبيع والتعويض على الاراضي في مجاري السيول والاودية فقد كان عدم تطبيق التعليمات الصادرة بشأن عدم تطبيق المنح في بطون الأودية سبب من أحد أهم أسباب الكارثة وقد عالج القرار الكريم هذه المشكلة بإيقاف ومنع تطبيق المنح والبيع والتعويض وحجج الاستحكام على الأراضي الواقعة في مجاري السيول وبطون الأودية. والمعني بأمر الإيقاف هذا عدة جهات أهمها وزارة العدل ممثلة في المحاكم وأيضاً الأمانة من خلال تطبيق هذا القرار بتحديد بطون الأودية أولاً على سبيل الحصر ثم منع التملك بها بأي شكل سواء من خلال إيقاف تطبيق المنح أو خلال إيقاف البيع في حالة صدور صكوك على أراض في بطون الأودية أو من خلال المنع التعويض أو استصدار حجج الاستحكام. ثالثاً: يتمثل السبب الثالث في الكارثة في وجود خلل كبير في مسألة تنظيم الملكيات وتطبيق المنح التساهل في صدور حجج استحكام وصكوك ملكية على أراضي في بطون الأودية. وقد تعامل القرار الكريم مع هذه المشكلة بعدة حلول تمثلت في الآتي: في الفقرة الأولى من هذا البند: كلف القرار الكريم وزارة العدل في إصدار نظام متكامل للتوثيق، وهذا يعني أنه لا يوجد نظام واضح ومتكامل لمسألة توثيق الملكيات حيث عالج القرار الخلل المتمثل في النواقص التي حدد القرار علاجها من خلال إصدار نظام توثيق متكامل يشمل الشروط اللازمة في كتاب العدل وبقية الموثقين على أن يشمل هذا النظام تحديد اختصاصاتهم مسؤولياتهم وكيفة أدائهم لعملهم من خلال تحديد إجراءات عملهم على وجه الدقة وأيضاً لا بد من أن يشمل النظام طريقة محاسبتهم ومعاقبتهم عند وجود مخالفات ومن مستلزمات هذا النظام أن يكون كاتب العدل أو الموثق مؤهلا من الناحية النظامية والشرعية ليتمكن من القيام بأداء مهمته وإدراك مدى المسؤولية الكبيرة فيما يجريه من توثيقات تتعلق بأملاك قد يؤدي التساهل في تحديد مدى صلاحيتها إلى بعض الكوارث أن كانت في بطون الأودية مثلاً. وفي الفقرة الثانية من هذا البند: كلف القرار الكريم كلاً من وزارة العدل ووزارة الشؤون البلدية والقروية بإصدار نظام ينظم مسألة التملك ومنح العقارات وذلك لتلافي السلبيات السابقة مما يعني أن هناك نظاما ولكن به الكثير من السلبيات وقد عالجها القرار الكريم بالتكليف بإصدار نظام جديد يمنع التعدي على الأراضي من خلال تلافي القصور الموجود سابقاً والذي أدى إلى التعدي على كثير من الأراضي بطريقة ساهمت بشكل أو بآخر في هذه الكارثة. وفي الفقرة الثالثة من هذا البند: استجعل القرار كل من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وهيئة المساحة الجيولوجية في إحكمال ما بدأته سابقاً من تنفيذ قرار مجلس الوزراء رقم (151) فقرة (3) وتاريخ 4/5/1428ه والمتمثل في إعداد دراسات عن المناطق المعرضة لأخطار السيول وأن تكون شاملة لجميع مناطق المملكة والاستفادة من ذلك في معالجة أوضاع الأودية ومجاري السيول على أن يكون ذلك بشكل عاجل ونعود هنا لمفردة (بشكل عاجل) مما يعني وجود تقصير في سرعة انفاذ قرار مجلس الوزراء المشار إليه أعلاه وقد عالج القرار الكريم هذا التباطؤ أو التقصير بمفردة بشكل عاجل وهو ما يحتم على مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وهيئة المساحة الجيولوجية والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة باستعجال انفاذ إعداد الدراسات لما لذلك من أهمية قصوى في مسألة تجنب وقوع كوارث مستقبلاً لمعرفة الأماكن الممكن تعرضها للأخطار ومعالجة أوضاعها بشكل علمي ومدروس مبني على دراسات علمية مفصلة. وفي الفقرة الرابعة من هذا البند: كلف القرار الكريم هيئة الخبراء بمجلس الوزراء بالعمل على تطوير أنظمة الرقابة والضبط ووحدات الرقابة الداخلية وذلك حتى تتمكن من أداء مهماتها المنوطة بها وهذا يعني أن أنظمة الرقابة والضبط الموجودة يشوبها كثير من القصور أما بعدم الفاعلية أو بعدم مواكبة التطور الكبير الذي تشهده البلاد. لذا أتاح القرار لهاتين الجهتين إمكانية الاستعانة بالخبرة المتخصصة والمؤهلة لتطوير الأنظمة الموجودة ورفع كفاءتها لتتمكن من أداء مهماتها والعمل المناط بها على الوجه الأمثل. وفي الفقرة الخامسة من هذا البند: كلف القرار الكريم كل من وزارة الداخلية والمجلس الأعلى للدفاع المدني بتقييم إدارة الحدث والاستجابة من الجهات المعنية والغرض من هذا البند هو الاستفادة من التجارب السابقة دراسة الأخطاء الماضية التي حدثت من خلال التعامل مع الكارثة وعمل الدراسات التي تؤدي إلى تلافي هذه الأخطاء في المستقبل والوصول إلى الطريقة المثلى في التعامل مع الكوارث بطريقة منتجة. وفق الفقرة السادسة من هذا البند: كلف القرار الكريم اللجنة الوزارية بتطوير الاحياء العشوائية الإشراف على اعداد مخطط جديد ومتكامل لشرق محافظة جدة وقد كان وجود الاحياء العشوائية احد أهم الأسباب التي ساهمت في تفاقم حجم الكارثة وزيادة الاضرار لذا فقد عالج القرار الكريم هذا الامر بتكليف هذه اللجنة بالشروع في اعداد مخططات جديدة شاملة لجميع مناطق شرق جدة والشروع في تنفيذ هذه المخططات من خلال وزارة الشؤون البلدية والقروية. في الفقرة السابعة من هذا البند: أكد القرار الكريم على ضرورة سرعة إنفاذ قرار مجلس الوزراء رقم 276 وتاريخ 14/11/1422ه المتمثل في ضرورة تحديد أراضي وقف العين العزيزية وضمان منع التعدي عليها وتنمية ايراداتها ومراقبة تحصيلها من قبل الجهات المستغلة وتأكيد إيقاف بيع اراضيها وفقاً للامر رقم 176/م وتاريخ 26/3/1417ه وهذا يعني ان هناك قصور ومماطلة في تنفيذ أوامر مجلس الوزراء الموقر فيما يتعلق باراضي وقف العين العزيزية وذلك ظاهر من خلال الإشارة إلى تواريخ قرارات مجلس الوزراء الموقر الصادرة منذ سنوات طويلة تربو على العشر سنوات دون تنفيذ. وفي الفقرة الثامنة من هذا البند: امر القرار الكريم بتشكيل لجنة من كل من وزارة المالية وديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق وامارة منطقة مكةالمكرمة وذلك لحصر جميع الشركات والمؤسسات والمكاتب الاستشارية التي ثبت تقصيرها واهمالها ومن يتبين لاحقاً تقصيره أو اهماله وإحالة الجميع إلى اللجنة الوارد ذكرها في المادة 78 من نظا المنافسات والمشتريات الحكومية. وتظهر هذه المادة من القرار الكريم ان الخلل لم يكن فقط في بعض الجهات الحكومية وإنما هناك أيضاً فساد استشرى في بعض المؤسسات الأهلية والمكاتب الاستشارية التي تسهم في تنفيذ المشاريع فقد أشار القرار الكريم إلى ان هذا التقصير والاهمال استوجب تشكيل هذه اللجنة بهذا الحجم من عدد الجهات وذلك لتفعيل نظام المنافسات والمشتريات الحكومية في إقصاء ومساءلة ومحاكمة هذه الجهات التي يثبت تقصيرها وإهمالها بإبعادها عن المنافسة في الحصول على المشاريع الحكومية وفقاً لنظام المنافسة والمشتريات الحكومية. ففي البند تاسعاً من هذا البند: كلف القرار الكريم وزارة الداخلية بادراج جرائم الفساد المالي والإداري لتكون ضمن الجرائم التي لا يشملها العفو الوارد في ضوء التعليمات والأوامر والتنظيمات المتعلقة بمكافحة الفساد. والقرار الكريم من خلال هذا البند يظهر حرص الدولة على محاربة الفساد وعلى أهمية المصلحة العامة وضرورة معاقبة من يتعدى على المصلحة العامة وفي هذا تأكيد لمسألة تغليب المصلحة العامة والوطنية على كل اعتبار. خاتمة القرار تمثلت خاتمة القرار في البند الرابع وذلك بمواصلة واستمرارية الحرب على الفساد والتسيب من خلال تكليف اللجنة العليا المشكلة بالقرار رقم 4298/2 وتاريخ 1/4/1431ه بالاستمرار في متابعة تنفيذ كل ما صدر من توصيات واستكمال ما يلزم والتعامل مع المستجدات واقتراح ما تراه محققاً للمصلحة. وفي ذلك ضمانة وحرص على حل هذه المعضلة من جذورها وان ما حدث لم يكن ردة فعل وإنما تأسيس لنظام إداري اصلاحي يضمن الحرص على تنفيذ القرارات السامية واستمرارية التخطيط وفق منهج علمي سليم يضمن سلامة البلاد والعباد.