كشف الدكتور خالد الدريس المشرف على كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري عن عشقه المبكر للقراءة، موضحًا أنه اعتاد اللجوء لمكتبته يوميًا ليجد بين جنباتها الراحة والسلوى. كما أوضح عشقه للشعر ولكن غلبت عليه الناحية العلمية على الشاعرية، فلم يتمكن من نظمه وإن كان من هواة الاستماع إليه وتذوق معانيه. وفي هذا الجانب أوضح أن المتنبي يبقى من أعظم شعراء العربية. وأبان الدريس الدور الكبير الذي يمكن أن تقوم به الرياضة في خدمة المجتمع، مطالبًا بالارتقاء بالحس الوطني بين الشباب والرياضيين، لما فيه المصلحة العامة. هذا وغيره نجده عند تقليب سطور حياته: عن القراءة يقول: أفضل البقاء في مكتبتي المنزلية ووسط كتبها التي يزيد عددها على عشرين ألف كتابًا. كل من هذه الكتب له عندي ذكرى، حيث بدأت في جمعها عندما كنت طالبًا في الصف الرابع الابتدائي. ومن خصائصي أنني يوميًا ألوذ بها لأجلس مع كبار المفكرين وصفوة علماء العصور فأناجيهم مناجاة التلميذ مع أساتذته وأناقشهم وأرهف سمعي وقلبي لخالص نصحهم، وأتخيلهم وقوفًا على أرففها العربي بعمامته والافرنجي بقبعته يسدون المشورة لي ويشاركوني همومي وقلقي، فيالها من متعة تقصر عندها كل المتع الدنيوية، وهذه العادة نشأت منذ الصغر لعناية الوالد والوالدة بالقراءة ومحبتهما لها. بين العقلانية والشاعرية وعن صلته بصلته بالشعر والشعراء يقول الدريس: أحب الشعر وكنت أتمنى أن أبرع فيه، لكن بداخلي يقبع “جنرال” مستبد اسمه: العقل السببي، وهو من أفسد عليّ الشاعرية، فعندما تعلمت بدايات العروض وبدأت أنظم بعض الأبيات رأيت أني أميل إلى تفسير الأسباب وأدركت أن ما أنظمه ليس بشعر وإنما بحث منهجي. عندها عرفت أن ميولي علمية والشعر بحاجة إلى خيال مجنح يتجاهل التفسيرات والمسببات، ولا تزال في قلبي غصة من هجر الشعر لي، حيث يأباني جيده وآبى رديئه، وإلى الله المشتكى من هذه الشاعرية فكم هرولت خلفها وأمعنت في فرارها ! هناك بيت يعجبني ويحفزني كثيرًا هو قول المتنبي: لولا المشقة ساد الناس كلهم مواقف محرجة ويرجع الدريس بذاكرته للوراء مسترجعًا أهم المواقف التي مرت به أثناء طفولته، ويقول: كنت ناشطًا أيام الدراسة في مجال المسرح وعندما كنت على أكبر قاعة مسرحية بالرياض نمثل باللغة العربية الفصحى بعد أن تدربنا في مسرح المدرسة. وذهبنا لذلك المسرح الضخم في مسابقة المناطق، وعند نهاية المسرحية أقفلوا الستارة ونحن أمامها والمؤثرات الصوتية تصدح وترج المسرح رجًا. وفجأة رأيت الجمهور يضحكون علي أنا وزميلي مع أن الكلام الذي كنا نلقيه كان يستدعي التأثر والبكاء. وسألت زميلي بهمس: ما الذي يحصل؟ قال: أظن الستارة وراءنا "مسكرة"، فالمخرج كان يحسب لنا الخطوات المعينة التي كنا نأخذ بها في البروفات، وفي المسرح الكبير عملنا نفس الخطوات وحفظناها، لكن المخرج كان (عليمي) فقياسه (سكة). وطفقنا نبحث عن المخرج ونتلمس ستارة العار تلك حتى وجدنا شقا نتوارى فيه، وهذا الموقف كان محرجًا لي في سن صغيرة، ولكني تعلمت منه أن المرء عليه أن يتجاوز الصعاب بالضحك على نفسه وعلى أخطائه. أمنيات خاصة ويحدد الدريس أمنية غالية كان يتمنى تحقيقها، بالقول: في سن الثانية عشرة كنت أخطط لإجادة اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية قبل الثلاثين. ولم يتحقق حلمي رغم أني كنت أهوى تعلم اللغات جدًا. وقد شرعت في تعلم الإنجليزية في الصغر في بريطانيا وأمريكا، ولكني لم أمارسها، وذهب علي كثير مما تعلمته منها، فأصبحت أفهمها أكثر مما أتحدث بها. وأما الفرنسية فأطرب لها فهي مموسقة في تركيباتها وجرسها، ولا مانع لدي أن أتعلمها ولو بعد الستين !. وعن علاقته بالرياضة يقول: كنت متابعًا لكرة القدم حتى سن السابعة عشرة مع اهتمام خاص بمشاركة منتخبنا الوطني، ولا أحب أن أذكر اسم النادي الذي كنت أشجعه، فالتصنيف الرياضي أصبح ضارًا في وسط يعج بالتعصب. وأتمنى أن تعود الروح الوطنية الحيوية في تشجيع المنتخب لأنها بدأت تخبو بعض الشيء عما كانت عليه، وأظن أنها كانت أحد أهم عناصر تعزيز حس السعوديين بوطنهم. لا زلت أذكر إلى اليوم مشاعر الوطن كله ونحن نحقق حلم الشارع الرياضي الشاب في الحصول على كأس آسيا لأول مرة، لقد كانت تجتاحنا موجة فخر لا نظير لها، وكنا نحس بأننا فوق “السحاب” فخرًا ببلدنا وشبابنا. أفكار متحركة وعن هواياته الخاصة يشير الدريس إلى رياضة المشي بقوله: أحب المشي وسأقول شيئًا هامًا وهي أن الأفكار التي لا تأتيني وأنا أمشي لا أثق بها كثيرًا، والأفكار التي تأتيني وأنا خلف المكتب لا أثق بها، لأن الفكرة عندما تأتيك وأنت في حالة حركة أفضل من التي تأتيك في حالة سكون وثبات. وأثناء تحضيري لأطروحتي في الدكتوراة كثير من ترجيحاتي وآرائي الخاصة أتتني أثناء المشي وقمت بتسجيلها في وقتها، ولم أزل أرى أن الأفكار التي تأتي أثناء المشي تكون ديناميكية ومتحركة وخصبة. والأفكار مثل الطيور ومن الصعب صيدها بسهولة، والمتميز هو من يعرف وقت صيدها. ويوضح الدريس رغبته بالسفر إلى اليابان ويفسر الدوافع قائلًا: لم أعد أعشق السفر، لأن أكثر سفرياتي الآن مرتبطة بالعمل، وقمت بزيارة العديد من دول أوروبا وإفريقيا وآسيا. وفي الصغر كنت متشوقًا لرؤية العالم، ولم يعد لدي كبير فضول في السفر لكني أود الذهاب إلى اليابان، فقد حفزني الإعلامي أحمد الشقيري في برنامجه لزيارتها، ولا أبالغ إذا قلت إن تلك الحلقات كانت أفضل من عشرين مجلدًا من الكتب في الموازنة بين العالم العربي واليابان. والإعلامي الذكي كالشقيري هو أحد أهم عناصر النهضة والتغيير الإيجابي. تربية عملية وعن أفضل السبل لتربية الأبناء يقول: من أفضل الطرق تربيتهم بالقدوة، فالتوجيه المباشر لا يجدي كثيرًا، علينا أن نقدم لهم أفعالًا صحيحة ليكتسبوها عمليًا، ولم أرغم أبنائي على القراءة، لكنهم أحبوها لأنها واقع معاش في البيت. ونصيحتي لأبنائي و للشباب عامة أن يكافحوا ثقافة اللامبالاة والتشكي التي انتشرت بينهم حتى صارت للأسف سمة الكثيرين، وعليهم أن ينخرطوا في العمل التطوعي لخدمة مجتمعهم ووطنهم، وأن ينموا اهتمامهم بثقافة العمل الوطني والخيري وكل ما يتصل بالشأن العام.