أمام خيمة اعتصام المبعدين على معبر بيت حانون كان فادي العزازمة في استقبال المدينة ، بشرته السمراء ونظرات عينيه الثاقبة لم تخف علامات الحزن على فراق أهله بعد أن أبعدته قوات الاحتلال الإسرائيلية من بينهم إلى قطاع غزة الثلاثاء الماضي، تنفيذا لقرارها العسكري بترحيل كل فلسطيني يثبت أنه من قطاع غزة ويقطن في الضفة المحتلة ، قصته لم تكن الوحيدة ، فقد سبقه أحمد أبو شلوف والأسير المحرر أحمد سعيد صباح إلى ذات الخيمة وعلى القائمة 70 ألف فلسطيني آخر يشملهم القرار . فريسة استرق العزازمة نظرة باتجاه الشرق حيث تبدوا جبال خليل التي ابعد عنها في الأفق وبدء يروي للمدينة لحظة إلقاء القبض عليه من قبل جنود الاحتلال قائلا : « أقيم مع أهلي منذ سنوات طويلة في منطقة الخليل ، كل صباح كنت أذهب لبيع الخضار في سوق بلدة الظاهرية جنوب الضفة الغربية لكي اساعد ابي ، إلا أن صباح يوم الثلاثاء (27-4) لم يكن عادياً فقد فاجئني عدد من جنود الاحتلال بالهجوم علي وضربي بشدة على رأسي وأجزاء متفرقة من جسدي وعصبوا عيني ويدي ومضوا بي إلى سجن قريب وكأنهم وقعوا على فريسة غابت عنهم منذ زمن». ويضيف العزازمة : «هناك لم يتركوا لحظة واحدة إلا كالوا لي فيها أفظع الشتائم بالإضافة إلى الضرب المبرح الذي لم يتوقف، وبعدها سألوني عن هويتي فقلت لهم لم أحصل على هوية بعد، فزادوني ضرباً وبعدها تركوني وحيداً في غرفة مغلقة معصوب العينين ومكبل اليدين والقدمين لمدة تجاوزت الخمس ساعات». اذهب إلى غزة الساعة سابعاً مساءً كانت فاصلة في حياة العزازمة فقد اقتيد إلى أحد الجيبات العسكرية التي نقلته إلى معبر بيت حانون من الجهة الإسرائيلية، وهناك قالوا له بالحرف الواحد: «اذهب إلى غزة»، ويصف العزازمة هذه اللحظات بأنها كانت مصيرية بالنسبة له ، ففي الوقت الذي حاول فيه مجادلة الجنود قائلا : «لا أعرف شيئا ولا أحد في غزة»، ردوا بسخرية: «نام في الشارع، أو تعرف على أي أحد وابقى عنده، ولا تعد إلى الخليل وإلا سوف يكون مصيرك هذه المرة القتل»، وهو ما حاولوا تطبيقه بالفعل عندما أشهروا أسلحتهم في وجهه لإجباره على العبور للجانب الفلسطيني حيث التقى هناك بمن أبعدوا من قبله ليشاركهم خيمة الاعتصام. وأد الدولة الفلسطينية الكاتب والمحلل السياسي مخيمر أبو سعده ربط بين سرعة تنفيذ السلطات الإسرائيلية لقرارات الإبعاد برغبتها في إحباط أي محاولة لمنعها من التنفيذ عبر مؤسسات حقوق الإنسان ، معتبرا أن تشتيت النسيج الاجتماعي الفلسطيني في الضفة عبر إبعاد هذا العدد الكبير من الفلسطينيين يهدف لوأد إعلان الدولة الفلسطينية خلال العام القادم عبر تعزيز الاستيطان ورفع أعداد المستوطنين مقابل تقليص عدد الفلسطينيين، إضافة إلى إعادة الحكم العسكري الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية بصلاحياته الواسعة وإلغاء كافة الاتفاقيات بما فيها اتفاقية أوسلو التي انبثق عنها وجود السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية. أبو سعده دعا إلى المزيد من التحركات الشعبية المناهضة للقرار معتبرا بناء خيمة الاعتصام على معبر بيت حانون ولجوء كل المرحلين إليها شكل رمزا لبدء التحرك الشعبي الذي تقوده مجموعة من المؤسسات والجمعيات الفلسطينية الشعبية.