إنشاء مدينة علمية تحت مسمى “مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة” لم يكن قراراً مفاجئاً، فالمملكة تدرس إمكانية إنتاج الطاقة النووية منذ زمن ليس بالقصير، لمواجهة حاجتها المتزايدة من الطاقة، نتيجة لتزايد عدد السكان ونمو الاقتصاد الوطني بشكل متسارع خلال السنين القريبة الماضية .. وحرصت المملكة على إشراك شركائها في مجلس التعاون الخليجي في دراسة هذا الأمر .. وبنهاية قمة المجلس والتي عقدت بالرياض منذ حوالى ثلاث سنوات ونصف (ديسمبر 2006 ) أعلن قادة دول الخليج في بيانهم الختامي أنهم قرروا البدء في برنامج مشترك لتطوير إستخدام الطاقة النووية لمواجهة حاجات بلدانهم . حينها أعلن سمو الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية، في مؤتمر صحفي أن التكنولوجيا النووية هي تكنولوجيا من المهم الحصول عليها لتوليد الطاقة وأن دول الخليج بحاجة لها .. وعندما زار الرئيس الروسي بوتين المملكة أكد الأمير سعود الفيصل أن بلاده على استعداد للتعاون مع روسيا في المجالات العسكرية بالإضافة إلى مجال الطاقة النووية .. وأشارت تقارير صحفية حينها إلى أن بوتين عرض خلال زيارتة التي استغرقت يومين تقديم الخبرة الروسية في مجال الطاقة النووية للرياض. خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، شكل لجنة لدراسة « الاحتياجات الوطنية الحالية والمستقبلية من الكهرباء والمياه ومدى مساهمة الطاقة النووية في ذلك « بعد أن اطلع على توصية مجلس الشورى في منتصف العام الماضي مقترحاً إنشاء هيئة سعودية للطاقة النووية .. وكان سمو الأمير سعود الفيصل على رأس هذه اللجنة التي ضمت وزيري المياه والكهرباء والصحة، بالإضافة إلى أطراف أخرى من وزارات معنية بهذا الأمر .. وخلال ستة شهور قدمت اللجنة توصيتها بإنشاء « هيئة الطاقة الذرية « آخذة في الاعتبار ما أبداه وزير البترول والثروة المعدنية من أن الطلب المتنامي على الكهرباء والماء يقابلة طلب متزايد « على الموارد الهيدروكربونية (أي البترول ومشتقاته ) « ولذلك فإن استخدام مصادر بديلة مستدامة لتوليد الكهرباء والطاقة لإنتاج المياه المحلاة يوفر الموارد البترولية ويؤدي إلى «إطالة عمرها وبالتالي إبقائها مصدراً للدخل لفترة أطول« نحن الآن بانتظار قرار بناء المعامل لتوفير الطاقة النووية المطلوبة .. ومن المعروف أن بناءها يستغرق وقتاً ليس بالقصير، كما أنها تتطلب استثمارات ضخمة ببلايين الدولارات .. وسيشهد العالم العربي العديد من هذه المشاريع الطموحة، فبالإضافة إلى ما أعلنته دولة الامارات العربية من إنشاء معمل للطاقة النووية بالتعاون مع شركات على رأسها شركة كورية جنوبية، وما أعلنته مصر كذلك بهذا الشأن فإن أكثر من بلد عربي يفكر في الاستعانة بالطاقة النووية لتلبية احتياجاته.. إلا أنه من المتوقع أن تكون مشاريع الطاقة النووية السعودية أكثر طموحاً وأكبر عدداً بالنظر إلى المساحة الواسعة للبلاد، وإلى الاعتماد المتزايد على تحلية المياه على امتداد سواحل طويلة من جنوب المملكة إلى شمالها وفي شرقها أيضاً . الوكالة الدولية للطاقة النووية، في تقرير لها هذا العام، أشارت إلى أن هناك خمسا وثلاثين دولة في مختلف أنحاء العالم تملك معامل طاقة نووية ( حوالى 442 معملاً) تنتج ما يعادل (19) بالمائة من حاجتها للكهرباء .. وفي مقال في مجلة ( النيوزويك )، نشر خلال هذا الشهر، يقول الكاتب الأميركي جورج ويل أن فرنسا تحصل على ثمانين بالمائة من حاجتها من الكهرباء من الطاقة النووية، وأن الصين تبني مولداً نووياً كل ثلاثة شهور، بينما تحصل أميركا على عشرين بالمائة من كهربائها من الطاقة النووية . وتواجه الطاقة النووية معارضة من الذين يعتقدون أنها تؤدي إلى مخاطر على البيئة والبشر، ويقول جورج ويل أن هذه المخاطر تكاد تكون معدومة، أو مبالغاً فيها، ويشير إلى أن 55 سنة من توليد الكهرباء بالطاقة النووية، في أميركا، لم تؤد إلى حادثة وفاة واحدة، ماعدا حادثة ( ثري مايلز آيلند ) عام 1979 التي لم ينتج عنها أضرار صحية بارزة وإنما أضرار إعلامية كبيرة كان من نتيجتها التوقف عن بناء المزيد من المولدات النووية، والتي انحسرت مؤخراً ووافق أوباما على البدء ببناء المزيد من المعامل لتوليد الطاقة النووية .. من ناحية أخرى يشير الكاتب إلى أن كارثة (شرنوبل) في روسيا كانت نتيجة لسوء بناء ذلك المعمل، مما تسبب في خروج الإشعاعات الضارة منه.. ولذا فإن معالجة مثل هذا النوع من المعامل تواجه اليوم حرصاً أفضل في التصميم والبناء. تدخل المملكة اليوم نادي الطاقة النووية للاستخدام السلمي، وهي ستحصل على تكنولوجيا متقدمة في هذا المجال من الدول الصديقة والوكالة الدولية للطاقة النووية، وسيجد الآن عدد من علماء الطاقة النووية السعوديون الفرصة لتطبيق ما تعلموه في خدمة وطنهم .. ومن الواضح أن قرار خادم الحرمين الشريفين بإنشاء المدينة العلمية الجديدة لا يستهدف الطاقة النووية فحسب، بل يشمل كافة مصادر « الطاقة المتجددة «، ومن ضمنها سيكون الطاقة الشمسية التي للمملكة باع طويل فيها، والطاقة التي تولدها الرياح وما شابه ذلك من طاقات مستقبلية يجري تطويرها اليوم بسرعة وفعالية .. والآمال معلقة على نجاح كبير تحققه “مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة”.