هل نحن في حاجة ماسة لبنك متخصص لاستثمار الابتكارات وتسليف الأفكار؟ وإذا سلّمنا بضرورة تأسيس بنك كهذا، فمَن يا تُرى الجهات التي تضطلع بمهام تمويل هذا المشروع بالأفكار والابتكارات؟ وهل سيكون عمل هذا البنك مستقلاً عن البنوك الأخرى؟ أم أن الضرورة تقضي أن يتعامل هذا الكيان الجديد مع بنوك ومؤسسات مالية معتبرة؛ بحجة أن المال هو المهم في حالة كهذه؛ لأجل تسييل الأفكار والابتكارات، وتحويلها إلى مشاريع ومنتجات؟ ثم كيف يرد عملاء هذا البنك ما اقترضوه من أفكار، سواء كان بتمويل، أو بغير تمويل؟ هل يرد قرض الفكرة بفكرة مماثلة، أم بحزمة من الأفكار، أم بمنتجات؟ ثم ما هي الضمانات المطلوبة لذلك؟ أسئلة كثيرة وأساسية تحتاج هي الأخرى إلى خبرات غير تقليدية، وتأمل خارج نطاق المألوف، الإجابة عنها. نعم إن الأمر يحتاج إلى نظرة غير تقليدية، وقد تبدو الفكرة عبثية، أو سياحة في دهاليز الكلام، ولكن الذي دعاني إلى الخوض في مثل هذه الأفكار، هو صندوق المئوية، تلك الفكرة المبدعة التي أشرقت والبلاد تحتفي بمرور مئة عام على قيام مملكتنا الفتية على يد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -عليه شآبيب الرحمة- ثم تبلورت ونمت، فأتت أُكلها بحلول عام 1425ه، هذه الفكرة العملاقة، وهذا الصندوق الرائع، والذي برز إلى حيز الوجود مستفيدًا من تجارب عالمية راسخة وناجحة، ظل يؤدي دورًا فاعلاً ومؤثرًا في الأخذ بيد شبابنا وفتياتنا، ومساعدتهم في تحويل أحلامهم وأفكارهم الاستثمارية إلى واقع ملموس، وقد أنجز هذا الصندوق نجاحات كبيرة على مستوى المملكة، إلاّ أنه لم يحدث التحوّل المطلوب في عدد المتقدمين لنيل تسهيلاته، وأعتقد أن السبب الرئيس في ذلك هو أنيميا الابتكار المتفشي وسط الشباب، وندرة الأفكار المميّزة، والابتكارات التي تفرض وجودها وصمودها في وغى الأسواق. وعلى الرغم من أن مسؤولية ضعف القدرة على الابتكار والإتيان بأفكار ومشاريع غير تقليدية قادرة على المنافسة، وتحقيق الأرباح هي مسؤولية جهات عديدة لا مجال للخوض فيها اليوم، إلاّ أن معالجة استقطاب الشباب للاستفادة من هذا الصندوق الرائع، تحتاج منا إلى بناء حاضنة لتوليد الأفكار، تفريخها، وتجميع الابتكارات في صعيد آمن، وليكن بنكًا كما قلت في صدر هذا المقال، يضطلع بمهام تسويقها للشباب لرفع هذا الكساد، وتفجير تلك الطاقات التي نخترن منها ما يفوق النفط ولله الحمد والمنّة.