رغم كل الاكتشافات والاختراعات التي ابتكرها الإنسان على مدار الزمن وحتى اليوم، ورغم أهمية الوسائل التكنولوجية المتطورة التي يمتلكها فإنه لم يتمكن من التنبؤ بأخطار الظواهر الطبيعية مثل الزلازل والهزات والبراكين، كما أنه غير قادر عند حصول هذه الظواهر على التحكّم بها، أو على أقرب تقدير من الحد من مخاطرها. وخير مثال على ذلك السحب الدخانية التي أفرزها بركان آيسلندا، والتي حملت معها انبعاثات لمعادن منصهرة وأتربة وأحماضًا مختلفة، وانتشرت في سماء أوروبا إلى حد شلّت معها حركة الطيران في 30 دولة، وأقفلت 313 مطارًا، وحجزت نحو 6.8 ملايين مسافر في أماكن بعيدة عن دولهم ومدنهم. وأفادت التقارير المختصة أن السحب البركانية التي بقيت ناشطة لمدة ستة أيام قد أدت إلى إلغاء 100 ألف رحلة، وألحقت بشركات الطيران خسائر وصلت إلى حدود 1.7 مليار دولار، والتي ستحتاج إلى ثلاث سنوات على الأقل لتعويض هذه الخسائر التي شبهها البعض بأحداث 11 ايلول - سبتمبر جديدة لجهة تداعياتها التي بيّنت مدى عجز الدول المتطورة والمتقدمة عن مواجهة أخطار الطبيعة، كما بيّنت عدم امتلاك هذه الدول خططًا لمواجهة الحالات الطارئة. وهذا ما دفع بالهيئة الدولية للنقل الجوي «إياتا» إلى توجيه انتقادات حادة إلى الحكومات الأوروبية بسبب الفوضى في طريقة إدارة أوروبا لأزمة سحب الرماد البركاني، حيث كان من المفترض إعلان إقفال جزئي لبعض المطارات، وليس الإقفال الكلي، ووقف حركة 28 ألف رحلة يوميًّا. وإذا كانت المطارات قد عاودت حركتها إلاّ أن الخطر لا زال قائمًا؛ لأن الجيولوجيين ومعهم كل ما يملكون من تقنيات ووسائل بحث متطورة، لم يتوصلوا بعد إلى معرفة ما إذا كان بركان آيسلندا قد قرر إخماد نفسه، أو أنه يستعد لثورة غضب أخرى، بدليل ما أفاد به الخبير في مصلحة الأرصاد الآيسلندية هيورليفر سفينبيورنسون بقوله إن «نسبة الرماد تقلّصت بنسبة كبيرة، وطبيعة السحابة تتغيّر، وبدأ لونها يتحوّل من الرمادي إلى الأبيض، ما يعني أنها عبارة عن مياه تتبخر». لكن الخطر لم يزل بعد، فالصخور المنصهرة قد تفتح ممرات جديدة للمياه لتجري إلى فوهة البركان، وتتسبب بمزيد من الثوران، وعودة انبعاث الرماد. وأيًّا تكن التطورات البركانية التي ستحصل فإن الخسائر قد وقعت في وقت كانت فيه شركات الطيران تعاني أصلاً من أزمة كبيرة، حيث بلغت خسائرها العام الماضي 9.4 مليارات دولار، يضاف إليها الآن نحو مليارين؛ ممّا يعني أن هناك شركات طيران صغيرة ومتوسطة الحجم ستقفل، وأعدادًا كبيرة من الموظفين سيصبحون دون عمل، وأسعار بطاقات السفر سترتفع، وسيدفع المسافر ضريبة غضب الطبيعة؛ لأن الحكومات في الدول المتطورة تملك كل الإمكانيات لافتعال أزمات في كل أنحاء العالم، ولكنها أعجز من أن تواجه تداعيات أية أزمة..!! [email protected]