عندما كنا نتناقش حول قضايا تمس حياة المرأة في بلادنا، كانت كل قضية منها تتعرض لدعوى أن تواجد الرجال والنساء في أي مكان اختلاط محرم، ولا استثناءات له، فلما طلبناهم بتعريف محدد لهذا المصطلح، وذكر من عرض له من سلف علماء الأمة، وعرفه تعريفاً دقيقاً، لنعرف من خلاله ما هو محرم منه، وما هو مباح، طاشت السهام فانتقل الأمر إلى ما هو مصطلح فقهي محدد، وهو الخلوة، فرأى أخونا محمد بن يحيى النجيمي أن تواجد امرأة مع رجل في أي مكان إذا كانا أجنبيين هو خلوة محرمة، نصرة لمن يرى أن الخلوة يمكن أن تتم على قارعة الطريق، وفي مكان عام يتواجد فيه الناس رجالاً ونساء كالحدائق وأماكن النزهة ويجب أن يعاقب عليها بعد القبض على من اشتبه أنه يفعلها، وهو أمر لا يحضر إلا إن غاب الفهم السليم للمصطلحات الفقهية، ثم نفاجأ أن الشيخ المُحَرِّم في ما قبل لكل تواجد للرجال مع النساء في أي صورة وأي مكان قد ذهب إلى الكويت بدعوى نسوية خاصة لإلقاء محاضرة دينية عن حقوق المرأة في اليوم العالمي لحقوقها، في جمع من النساء ليس بينهن رجل سواه، ورأينا صوره وسطهن قبل المحاضرة وأثناءها وبعدها، فلما تداول ذلك الإعلام وزل لسانه بأن بعض من حضرن اللقاء وجلهن شهيرات معروفات في مجتمعهن قد اعترفن له بأنهن عاصيات، واستحال طبعاً أن يعترف العاصي بمعصيته في جمع من الناس وإن كن نساء وهو يعلم أن الله يستره، فكيف يفضح نفسه إرضاء لمثل النجيمي، ولكنها من الدعاوى العريضة التي يطلقها دوماً، لذا ردت عليه الأخت عائشة الرشيد واتهمته بالزور والبهتان، ولكل ذلك حاول الأخ النجيمي التملص من المأزق الذي ورط نفسه فيه باعتذار مشوه، فنفى أن يكون جلوسه بين النساء اختلاطاً محرماً مُناقِضاً كل ما كان يقوله من قبل، بل اخترع له مُسمى جديداً وهو “الاختلاط العارض” فكل من عنّ له مجالسة النساء من أمثاله زعم أنه عارض، ورغم مجالسته للنساء ومداعبتهن بالنكات وإضحاكهن فهو يدعي أن الاختلاط المحرم في عهده الجديد هو اختلاط المجالسة، والذي جعله سبباً للتحرش الجنسي رواية عن إحدى المشاركات في اللقاء، وكل رواياته عن هذا اللقاء لم تثبت وقد أباح لنفسه ما أسماه اختلاطاً عارضاً وبحث عن مبررات له، لو ذكرها غيره لحمل عليه، منها أن القاعة كانت مقسومة أولها للرجال وآخرها للنساء، وأن لكل قسم مخرج منفصل، وما رأينا في الصور أصلاً رجال، وأكدت الحاضرات ألا رجل في القاعة سواه، ثم ادعى أنهن ملتزمات بالحجاب الذي يراه واجباً، وفي الصور رأيناهن كاشفات الوجوه، وبعضهن لا يغطين الشعر، وهن يجلسن بجواره، ولعله وجد مبرراً جديدا ومسمى آخر لحجاب كهذا، ثم ادعى أن من دعينه للقاء من قواعد النساء، أي الكبيرات في السن، اللاتي لا يرجون نكاحاً، ولذلك علامات لا يدركها مثله، ولا أظن أن من بين الحاضرات في ذلك اللقاء من تنطبق عليها صفات القواعد من النساء، بل أن بعضهن جمالهن ملفت للنظر، وقد أباح لنفسه ما كان يحرمه فجالسهن وتداول الحديث معهن والنكت بدعوى أنهن كبيرات في السن اعتبرهن في منزلة والدته، ومع ذلك لم يستطع أن يجزم أن كلهن كذلك فتراجع ليقول: أكثر من 90% من الحاضرات حسب المنشور في جريدة “المدينة” يوم الخميس 23/4/1431ه وقال: إن جلوسه بينهن على هذه الصورة ارتكاب لأخف الضررين، فإذا كان ذلك ضرر لدينه فلِمَ يختاره أصلاً ويسعى إليه، ثم ما هو الضرر الأثقل الذي درأه في هذه الحالة بالأدنى المزعوم، ثم ما هي المصلحة الشرعية التي دفعته لهذا؟ أهي أنه ذهب ليعظهن بالحجاب، والمحاضرة التي وافق عليها لم تتعرض له أصلاً بشهادتين أما كان الأجدر به -إن كان على يقين أن ذلك محرم وإثم- الامتناع عنه، ويدعي (أن المصلحة في ما فعل خاصة أنه في يوم عالمي كيوم المرأة الذي هو يوم غربي تغريبي)، فيحكم على نفسه بأنه حضره من أجل ذلك تأييداً له بمشاركته في نشاط ينتمي إلى هذا اليوم الذي يراه غربيا تغريبيا، إنه التناقض الذي لا تجده إلا عند النجيمي، فهو لم يعد يدري ما يقول. فقد أكدت الأخت عائشة الرشيد جازمة أنه الرجل الوحيد الذي تواجد في القاعة التي ألقى المحاضرة فيها، وجلس بجانب الشيخة فريحة، وكان يمزح مع جميع النساء الحاضرات، ولم تتبق امرأة واحدة لم يبادلها الضحكات وقام بالتصوير معهن، ونفت أن تكون بعض الحاضرات قد اعترفن له بأنهن عاصيات وقالت: (هذا الكلام لا صحة له اطلاقاً، ولم يجرؤ النجيمي على وصفه بذلك أمامنا)، وكأني بالنجيمي ظن أن من حقه أن يعترف المذنبون بخطاياهم بين يديه، فذاك هو إعلان التوبة المقبولة في نظره، وفي المحصلة فقد استطاعت الأخوات الكويتيات أن يكشفن شيئاً من المستور عنا من سلوك الأخ محمد النجيمي، يرغبه وتنازعه نفسه فيه، ولعله كان من قبل يخشى أن يعلنه للناس، فجاءت هذه الحادثة لتظهر للجميع أن الدعوى غير السلوك، والتنظير غير الفعل، فليس من دعا بشيء هو مؤمن به فعلاً، وكنا نرجو دوماً أن يكون أخونا النجيمي كما يفتخر دائماً بأنه صاحب العضوية في مجامع علمية ثلاثة، والعالم الأكاديمي البارز، والداعية الذي لا يهدأ نشاطه، أن يخاطب الناس بأسلوب علمي راق، مدعوم كل حكم فيه بالدليل، لا مجرد أن يبرز أفعاله بما ينفيه العقل والشرع معاً، فالفعل الذي اعتقد حرمته لا يصبح مباحاً له حراما على غيره، وقد رجوت مخلصاً ألا يضع الأخ النجيمي نفسه في مثل هذه المواقف المحرجة، فنحن نحرص على سمعته كأخ لنا نتمنى أن ننتفع بما لديه من علم وصواب، ونرد عليه إن أخطأ ونرشده للصواب ما استطعنا، فلعله يقبل النصيحة ولا يعرض نفسه لمثل هذا، فهو ما نرجو والله ولي التوفيق.