أعود مرة أخرى لأقول: إن الإبداع والابتكار والتفكير بطريقة جديدة غير تقليدية، من مكوّنات الأزمة الاقتصادية التي سيواجهها العالم في المستقبل، هذا إن لم تكن هي الأزمة بحد ذاتها دون غيرها، وكما قلت سابقًا: إن هذا الاستنتاج لا يحتاج إلى كبير عناء، أو جهد، أو عدسة مكبرة لرؤيتها، فهي أي ملامح الأزمة مبثوثة في الهواء الذي نتنفسه، وواضحة أعراضها وأثرها كما رماد البركان الأيسلندي، الذي باغت ذكاءنا التكنولوجي وحيَّر ظنّنا الحضاري بأننا ملكنا مفاتيح الكون، وأننا قادرون عليه، بعد إذ كادت الأرض تكمل زخرفها وزينتها. إذًا تلك هي إمارات واختبارات لحال ما سيأتي، بعضها من صنع أيدينا، كما في الأزمة المالية التي بالكاد يتعافى العالم منها، وبعضها اختبار من خالق الكون كبركان أيسلندا استفز صلفنا وجبروتنا الذي تبين أنه أوهن من خيط العنكبوت.. أجل فالرماد، وليست النار أقعد عاتيات الدول مالاً وقوةً عسكريةً وتقنيةً عن التحليق في الجو .. أكثر من (16 ألف) رحلة جوية باتت رهينة الرماد.. الرماد فقط، أليس في الأمر ما يستدعي لتفكير غير تقليدي للسباحة في الرماد؟ ولتلافي المزيد من الخسائر الاقتصادية، خاصةً إذا علمنا أن في هذا العالم الكثير من البراكين التي ما تزال نشطة، وفي أحشائها مخزون هائل من الرماد. لا أود أن أطيل التركيز في أمر الطيران، وما يجب أن يصار بشأنه لتفادي مثل هكذا أزمة، فالغرب هو صانع الطائرات ومبتدعها، وهو قادر على الابتكار، ولديه من الجاهزية العالية لتوليد الأفكار والحلول، ولكن المشكلة هي مشكلتنا نحن إزاء عالم مفتوح على مصراعيه، ولا بقاء فيه إلاَّ للقادرين على إبداع الحلول، وتوليد الأفكار لاكتشاف الموارد وتوظيفها بذكاء وكفاءة عالية.. أجل هي مشكلة العالم العربي من هناك إلى هنا، فقد تعطّلت ماكينة الإبداع من عهد الفارابي، وسفينة المبادرات الخلّاقة مخروقة ممزقة الشراع منذ أيام ابن سينا كما توقف الزمن بعد ابن خلدون، ولم يعد لأحفاد طارق جسارة العبور إلى فضاءات جديدة، ولأن الأمر لا ينتقل بالجينات الوراثية، أو باستزراع الحِمض النووي لاستعادة ذلك التاريخ الناصع، فإن التدريب على إبداع الحلول يبقى هو المخرج المهم، والعلاج المبكر لتلافي أزمة مقبلة، ولابد من تشجيع أبنائنا على التفكير غير التقليدي في كل ما يحيط بهم، وألاّ يعتبروا ما توصلنا إليه وصل إليهم هو نهاية المطاف وآخر الحلول، فإن أجمل الأفكار لم تخرج بعد إلى النور، وفي الآفاق اكتشافات واستثمارات لا حدود لها. نافذة: العقل منجم.. فاحفر عميقًا بنور العلم والإيمان فإنه لا ينهار.