عَاهَات الأُدبَاء والمُثقَّفين لا يُدركها عَدٌّ، ولا يُحيط بها حَدٌّ، فهم شَرٌّ مُستطير، وتَقصيرٌ مِن غير تَبرير، وإهمالٌ يَفتقر إلى أبسط وَسائل التَّعبير..! خُذ مَثلاً، هناك كُتَّاب، لا أعرفهم، ولكنهم كانوا يَملأون عيوننا كِتَابة وَاثقة، وشَجاعة لائقة، وأنَاقة حَرف بَاسقة، ومَع ذلك اختفوا، ولم يسأل عنهم أحد، ومَن أراد أسماء فليَسأل نَفسه أين الكُتَّاب مِن أمثال: (د. سعيد فالح الغامدي، ومنصور عثمان، ومصطفى إدريس، وعبدالمحسن يوسف، وعبدالكريم العودة، وخالد طه، وعلي الأمير.. وغيرهم كثير)..! إنَّ هذه الأسمَاء أعطتنا كَثيرًا مِن خُبزها الثَّقافي، وفُولها المَعرفي، ونَثرها الأدبي، ومَع ذلك لم نَسأل عنهم، مع أن «العَاشقون رِفَاقُ»، ألا شَاهت وجوهنا، وسَخفت طباعنا، إن لم نَسأل عن هؤلاء المُتغيّبين؟!.. وتَعسًا لنا إن لم نَدعم رابطة تُسمَّى «عصبة الأدبَاء»، التي أسَّسها ونَادى بها شيخنا الفيلسوف «عبدالرحمن المعمر»..! حَسنًا.. ما سَبق كان قَولٌ مُجمل.. أمَّا التَّفصيل فإنَّه سيَتناول حَالة - أزعم أنَّني مُلِمٌّ بها أكثر مِن غيري، ألا وهي حَالة كَاتبنا - الذي كان مُتألِّقًا، وأرجو أن يعود قريبًا - «سليمان النقيدان»، هذا الرَّجُل الذي كَتَب ما عَجز عن كِتَابته الآخرون، ثُمَّ تَوقَّف مُنذ عام 2003م، حين كَتب موضوعًا في جريدة «الشرق الأوسط»؛ عن «الخصوصيّة»..! قبل أيَّام كُنتُ أُقلِّب وأتجوّل في إيميلي «المأرشف»، فوجدتُ رسالة مِن كَاتبنا بتاريخ 15/4/2003م يَقول فيها: (أخي الكريم/ أحمد العرفج: إنَّني أُصرِّح دَائمًا في كُلِّ فرصة تُتاح لي مَعكم؛ بأنَّني -ولأوّل مرَّة- أتعرَّف على كَاتب يَحوز كُلّ مَظاهر وظواهر التَّجديد؛ في وَسطنا الثَّقافي، ويَملك القُدرة والمَوهبة على ذلك، بقَلَم تُعزّزه الجُرأة الفَائقة، والحسّ المَسؤول..! يا أحمد.. أنت تَكتب بلغة عصريّة، لها مُفرداتها وتَوليداتها الرَّائعة، وتَركيباتها التي تَختلف كُلّ الاختلاف عن تلك اللغة المُبسَّطة؛ التي كُنَّا نَقرأها في كِتَابات البَعض.. إنَّك تَحوز المَجْدين: «وجدان أديب مُرهف مَوهوب»، و«عقل مُفكِّر مُتسائل نَشط ومَوسوعي»، وقد ضَمنَتْ لكَ هذه القُدرة تَفوّقًا سَهلاً، ظَهرت مَعالمه سَريعًا -وبوضوح- عندما انكببتَ على دراسة أم العلوم، وتاريخها المجيد، ألا وهي «الفلسفة».. كُنتُ وَاثقًا مِن ذلك، فأنت مُفكِّر تَكتب بلغة الأدب الرَّفيعة، ولا نَنسى أنَّ هذا الجُهد المتميّز أتى في وقتٍ مُبكِّر نسبيًّا، ومع شيء مِن الهموم والمَشاغل الأخرى، وهنا يَكمن الإنجاز أيّها الصَّديق الرَّائع والمُثابر.. فإلى الأمَام)..! حَسنًا.. مَاذا بَقي..؟! بَقي أن أقول: هذا ما قاله الكَاتِب الرَّفيع «سليمان النقيدان» عنّي، وقد بَالغ -سامحه الله- ولكن سَأردُّ له التَّحيّة بأحسن مِنها وأقول: حقًّا إنَّني أشعر أنَّ غياب «سليمان» عن المَشهد الكِتَابي -في صحيفة الشَّرق الأوسط- قد قلَّل مِن حَماسي لها، ولقراءتها.. ف«سليمان» كَاتِب وَاثق، ومِن القلائل الذين قَرأوا الفَلسفة -بحق- في السّعوديّة، ويُؤسفني أنَّه مُنقطع عن الكِتَابة لأسباب قديمة، قد تَكون زَالت الآن.. فادعوا الله معي أن يُعيد لنا «أبو إبراهيم النقيدان» كَاتبًا وفيلسوفًا، ومُعبِّرًا عن صوت القلّة الصَّادقة..! وفي الخاتمة.. أعلم أنَّ قارئًا لئيمًا أو «لئيمة» سيَقول: هذا العرفج لا يَستحي، يَنشر مَدح أصدقائه له، ثُمَّ يَردُّ هو عليهم مَدحًا بمَدح، ولمثل هذا أقول: نَعم أنا أفعل ذلك، «وش عندك»..؟! أو سأقول له كما قال «د. النجيمي» قبل أيّام -ونشرته الصّحف- لسيّدة كويتيّة: «أعلى ما في خيلك اركبه»، أو لعلِّي أقول كما هو اللفظ القرآني: «موتوا بغيظكم»..!.