المحبة بين متكافئين في الدنيا تقترب من الصِّدق، ويقلُّ فيها التجافي؛ لسلامة النيات من عوارض الشكوك في صدقها، وسبب ذلك ضعف الطمع في المصالح التي يبنى عليها أكثر ألوان الصداقة والمحبة، وإنما يسرع الفساد إلى المحبة بين كثير من الخلطاء حين تتقاطع الإرادات على المنافع، وقد أخبرنا بذلك عالم الغيب والشهادة حين قال: {وإن كثيرًا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض}، والكثير يقابله الأكثر، أو الكثير، أو القليل، ولما كان هو المراد بَيَّن ذلك بقوله: {وقليل ما هم}، وكذلك قوله سبحانه: {ويعفو عن كثير}، فإننا نرجو أن يكون المقابلُ هو القليلَ أيضًا. وحين يكون الخلطاء ليس بينهما تكافؤ، كالغنيّ والفقير، والسيد والعبد، ويدَّعي أحدهما المحبة، كان الأصل في دعوى الأعلى الصدقَ، وفي الأدنى ضعفَ الصدق، غير أن المحبّاتِ من كلِّ أحد لكل أحد، لها دلائل، تتخلل مسالك الأرواح، ولا تخفى على القلوب التي في الصدور، وكم يقع في هذا المقام من أيمان فاجرة، وعهود غادرة، برهانًا على صدق الوداد، وصاحبها في وادٍ، والصدق في وادٍ، وقد عرض ابن مسكويه للكلام عن أسباب المحبة وأجناسها في كتابه (الأخلاق) على نحو آخر. [email protected]