نفى الدكتور مدني علاقي تعاليه على التدريس في الجامعات بل أكد أنه تقدم بطلب لكلية الاقتصاد والإدارة، ومضى على طلبه ست سنوات دون الرد عليه مؤكداً أنه ليس كل وزير قادراً على أن يكون استاذاً جامعياً كما أنه ليس كل استاذ جامعي يستطيع أن يكون وزيراً. وكشف الدكتور مدني علاقي أن الإدارة التي يدار بها القطاع الخاص سيئة ويرجع هذا الأمر إلى أن معظم الذين يتولون مهام الإدارة هم ممن لا يعرفون شيئاً عن نظريات الإدارة القديمة والحديثة، إنما يديرونها بحسب اجتهاداتهم. ورد على سؤالنا بتأخر مشروع السعودة بقوله إن تدني تكلفة العمالة الأجنبية وسهولة طردهم من وظائفهم من الأسباب في تأخير مشروع السعودة، كما نادى معاليه إلى ضرورة الإسراع في خصخصة المؤسسات وبعض القطاعات حتى لا تكون عبئاً على الدولة – وفي نهاية الحديث مع الدكتور علاقي علق على مشروع إصدار صحيفة جازان المنتظر قائلاً: إن رجال الأعمال في منطقة جازان لا يستطيعون تحمل أعباء تكلفة إصدار الصحيفة.. كما تحدث في هذا الحوار عن عدة موضوعات أخرى ليكون خاتمة الحلقات الحوارية مع الدكتور مدني علاقي. * بعد الوزارة ألا تفكر في العودة من جديد للجامعة.. ولماذا يتعالى الوزراء لدينا في الوطن العربي ولا يرجعون لمواصلة البحث العلمي الذي لا ينتهي ولا يعترفون بوظيفته؟ أبدأ الإجابة من آخر السؤال؛ فالتعالي غير موجود في كلّ الوطن العربي، وأنا أعرف كثيرين عادوا من الوزارات إلى الجامعات مثل ما حدث في مصر وعلى رأسهم الدكتور عبدالعزيز حجازي رئيس الوزراء الأسبق وهو أستاذي، وكذلك الدكتور عاطف عبيد، فبعد الوزارة عادا إلى الجامعة كمستشارين وباحثين. بالنسبة لنا فهذا شرف كبير جدًّا لمن يتبوّأ كرسي الجامعة؛ لأن كثيرين قد لا يستطيعون تحمّل تبعاته. قد أكون أستاذًا جامعيًّا وقد لا أكون وزيرًا، وليس كلّ وزير قادرًا على أن يكون أستاذًا جامعيًّا. لكن شرف التدريس الجامعي كبير لمن هو قادر عليه. بالنسبة لي شخصيًّا بعد خروجي من الوزارة طلب مني زملائي في كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة أن أعود إلى التدريس في الكلية فأبديت موافقتي بعد أن أقضي راحة قصيرة أعود بعدها للبحث والتدريس كمتعاون أو متعاقد، ولكن طلبت منهم اتخاذ الإجراءات القانونية المطلوبة مثل المرور على مجلس القسم ومجلس الكلية ومدير الجامعة وأي جهات أخرى للموافقة وقيل لي: إنهم يرحبون بي في الكلية. مضت السنة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة ونحن الآن في السنة السادسة ولم أتلق ردًا من الجامعة سواء بالموافقة أو الرفض. كان سيسعدني أن أكون متعاونًا مع الجامعة أو متعاقدًا لأفيد وأستفيد. أفيد بما لدي من خبرات متراكمة جامعية وحكومية. إدارة سيئة * بوصفكم أستاذًا في علم الإدارة.. ما أنسب المدارس الإدارية للمؤسسات الحكومية والخاصة؟ الإدارات الحكومية تتميز بالبيروقراطية، والبيروقراطية ليست سيئة إذا أحكمت المعايير وروقبت النتائج، ولكن القطاع الخاص لدينا سيء الإدارة. والدليل على ذلك أنّ كثيرًا من القائمين على أمر الإدارة لا يعرفون من النظريات الإدارية لا قديمها ولا حديثها. صحيح لديهم خبرات متراكمة في العمل الاقتصادي والإداري. لكن التفكير الإداري المنطقي غير موجود. كثير من رجال الإدارة في بلادنا يعتقدون أن الإدارة هي اتخاذ القرارات الصارمة والرادعة والجزاءات والعقوبات، ولا يعلمون أن هذه كلها معوّقات للإدارة والإنجاز والإنتاجية. الإدارة لا بد أن تتم بتعاون فريقين: المدير والعامل. في بلادنا فإن التعاون يكون بين المدير ونفسه. أما الموظفون الذين يحققون الإنتاجية والإنجاز والأرباح فأكثرهم منسيّون. أين رجال أعمالنا وإداراتنا من النظريات العلمية الحديثة في إدارة الإنسان وإدارة الموارد البشرية وإدارة الفكر الإنساني وإدارة الطموح الإنساني؟ هذا غير موجود. أنا كعامل في مؤسسة ما لا بد أن تكون لي طموحات مشابهة لطموحات المدير والمستثمر وصاحب المال. العامل يريد وظيفة مناسبة ويريد ضمان الاستمرارية وألا يهدد بالفصل بين يوم وآخر، ويريد التقدم الوظيفي ويريد تحقيق طموحاته المادية والمعنوية. كما أن رجل الأعمال يريد الربح والتنافسية فالموظف يريدها أيضًا. أما أن يكون العمل بقانون العصا الغليظة والتهديد؛ لتحقيق متطلبات رجل الأعمال أو المدير فقط فهذه ليست إدارة. تأخّر السعودة * لدينا مشروع كبير يتقدم أحيانًا ويتأخر أحيانًا وهو السعودة.. لماذا لم يتقدم هذا المشروع برأيك ولم يحقق نتائج واضحة؟ السبب يكمن في انخفاض تكلفة أصناف وقطاعات من العمالة الوافدة، وطاعتها لرؤسائها، وحرية اتخاذ القرار في طردها متى شئت. هذه أسباب أدت إلى تأخر السعودة. طالما أن بإمكان رجل الأعمال أن يستخدم عمالة رخيصة التكلفة ويستطيع أن يتخلّص منها في أي وقت يريده، وطالما أنها عمالة مطيعة حتى عند تكليفها بأعمال أكثر مما ينص عليها العقد وبدون، فما الذي يجبره على توظيف عمالة سعودية؟ ما دامت هناك قوانين تتيح لصاحب العمل أن يستقدم عمالة رخيصة ويمكنه طردها متى شاء فلن نستطيع أن نحقق أهدافنا في السعودة. هذه مرئيات يتجاهلها رجال الأعمال ويرددون أن السعودي كسول وغير مطيع ولا يتحمّل مواقف العمل الحازمة وكثير التغيّب عن العمل والحجج في التأخر. ولكن رجل الأعمال والمدير ينسى أن لديه بالمقابل سلبيات. إذا كان صاحب العمل إيجابيًّا فسيكون العامل كذلك، وإذا كان صاحب العمل سلبيًّا فسيكون العامل كذلك. الشباب السعوديون أثبتوا نجاحاتهم وقدراتهم في كثير من قطاعات الأعمال. البنوك، المصانع، المقاولات، الأعمال التجارية الفردية. لماذا إذًا يدفعون كرهًا إلى البقاء في منازلهم سنوات؟ إذا كانت الجامعات لا تقدم متطلبات قطاعات الأعمال فلماذا هم لا يقومون بتدريب هؤلاء حسب مقتضيات أعمالهم. الجامعات تعلم ولا تدرب. نقول لشركاتنا ومؤسساتنا تريدون من المواطنين أن يستهلكوا منتجاتكم ولا تريدون توظيفهم. هذه معادلة صعبة. كيف يستهلكون منتجاتكم بدون موارد مالية وهو عاطل عن العمل؟ بطء الخصخصة * كيف ترى قضية الخصخصة؟ الدولة ماضية في هذا الاتجاه؛ ولكن يؤخذ عليها البطء الشديد في ذلك. على سبيل المثال فإن الخطوط السعودية بدأ التفكير في خصخصتها منذ أكثر من عشر سنوات، ولكن حتى الآن لم تتم خصخصة أي مرفق من مرافق السعودية. الخطوط السعودية هي المؤسسة الأجدر بأن تبدأ فيها الخصخصة لذلك لا عجب أن نجد أن كثيرًا من خدمات السعودية دون المطلوب. الخصخصة لابد أن تبدأ بأسرع ما يمكن ولكن دون تجاهل الأساليب العلمية والعملية والمجربة. لا بد من الخصخصة وإلا ستكون كل المؤسسات عبئًا على الدولة. البترول موجود اليوم ولكنه غير موجود بعد غدٍ. لا بد من خصخصة كل مرافق الخدمات حتى يأخذ كل ذي حق حقه. نزع يد الدولة عن المشروعات الاقتصادية الكبرى هو الطريق إلى اقتصاد منتج ومتطور. أزمة التعليم الفني * كيف ترى التعليم المهني.. هل تلمس له تطوّرًا أم يعتريه الإهمال من قِبل الجامعات؟ هناك فرق بين التعليم المهني والتعليم الجامعي. الجامعة لها أهداف محددة وهي تطوير العلوم والمعارف سواء كانت علومًا نظرية أو عملية تطبيقية أو تقنية. الجامعة تضم كليات الطب والهندسة والعلوم والبترول والجيولوجيا والاجتماع وغيرها من التخصصات. أما التخصصات المهنية والفنية والتدريبية فهي جوانب أخرى مما يحتاجه الناس في حياتهم. لا يمكن للجامعة أن تقوم بعمل مهني وأكاديمي في ذات الوقت. العمل المهني والتدريبي له مؤسسات متخصصة وله أساليب مختلفة عن الأساليب الجامعية. بالتالي إذا قلت: إن التعليم المهني متأرجح ولا هو تعليم عام ولا فني ولا يعترف به على أنه يحقق طموحات للبلد أقول لك إننا قضينا على التعليم المهني والفني منذ البداية وحكمنا عليه بأنه مجال لمن ليس لهم طموح علمي أو من هو غير قادر على التعليم الجامعي أو من هو بحاجة إلى الدعم المالي. أكثر من يدخلون هذا المجال لا يدخلونه عن رغبات وطموح وإنما للحاجة. الجانب الآخر هو أن التعليم الفني يكاد يكون منفصلًا عن التعليم العام واحتياجات المواطنين ومتطلباتهم ولا تفي بمتطلبات العمل في القطاع الخاص. التعليم الفني والمهني في وادٍ والقطاع الخاص في وادٍ آخر. الأجهزة والمعامل والمختبرات المستخدمة في التعليم الفني مختلفة تمامًا عن تلك التي في القطاع الخاص وبالتالي عندما يتخرج الطالب من هذه المعاهد ويعمل في القطاع الخاص يجد نفسه في أجواء مختلفة لا هو راضٍ عن عمله ولا رب العمل راضٍ. إذن نحتاج إلى تفكير ونمط جديد في التعليم الفني. شخصيًا أعتقد أن معالي الأخ الدكتور علي الغفيص رئيس المؤسسة العامة للتعليم الفني والمهني رجل قادر على نقل التعليم الفني إلى مستوى طموحات الوطن والمواطنين حتى لا يكون هذا التعليم فقط لأصحاب الحاجة المادية وإنما يحقق أهداف العمل الفني والمهني للمجتمع السعودي. بهذه الطريقة نستطيع تدعيم التعليم الفني. مرة أخرى الجامعات غير مسؤولة عن هذا العمل وغير مسؤولة عن تدريب خريج جامعي. أخطاء خطط التنمية * منطقة جازان تأخرت فيها التنمية والنهضة.. فما مكانتها لديك وماذا قدّمت لها؟ أنا ابن المنطقة ومسقط رأسي فيها، وحبّي لها هو حب أي طفل نشأ في منطقة معينة وله ذكريات فيها حتى ولو كانت قصيرة. أحب هذه المنطقة لأني ولدت فيها ونشأت بها وتلقيت تعليمي الأولي، وأبي وأمي من نفس المنطقة وبعض أخواني وأخواتي مازالوا يعيشون فيها وأسرتي الكبيرة فيها. لكني عشت في المنطقة الغربية وفي مدينة جدة ثلاثة أضعاف الفترة التي عشتها في جازان. هذه المنطقة مثلها مثل مناطق الأطراف لم تحظ بتنمية متوازنة. خطط التنمية الأولى في هذا البلد ربما كان تفكير مخططيها على أساس تنمية الحواضر بدلًا من الأطراف؛ ليأتِ أصحاب الأطراف للحواضر ومن ثم يرجعون بنتائج أعمالهم المادية لتنمية مناطقهم. هذه النظرية موجودة في علمي الاجتماع والاقتصاد وهي تنمية المراكز واستقدام العمالة من الأطراف، ومن ثم تأخذ العمالة ما حصلت عليه من دخل لتبني بها مناطقها. هذه كانت أكبر أخطاء خطط التنمية الأولى في المملكة. من ثم أصبحنا في مناطق الأطراف بدون نماء وتنمية وأخص بالذكر المناطق الجنوبية مثل أبها والباحة وجازان ونجران والمناطق الشمالية ومنطقة الحدود. هذه المناطق متأخرة تنمويًّا حتى إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- حينما كان في زيارته الأخيرة لمنطقة جازان ألمح لذلك، وصرّح بأن هذه المنطقة لم تأخذ حقّها من التنمية سواء كان ذلك بقصد أو بدون قصد. ووعد بتعويضها عمّا فقدته من تنمية. السبب في ذلك يرجع لخطط التنمية التي تجاهلت هذه المناطق. إنها تنمية بدون نماء. تقييد بخطة العمل * إبّان توليك حقيبة الوزارة.. ألم تكن تشعر بتعاطف مع القضايا التي تخص جازان؟ التعاطف موجود سواء في المجلس أو في اللجنة العامة لمجلس الوزراء أو خارج العمل الحكومي. لكن لا أستطيع أن أخرج عن خط الدولة في التعامل مع قضية معينة. إذا كان هناك رأي للمجلس أو اللجنة العامة تجاه قضية معينة سواء تخص منطقتي أو غيرها. لا أستطيع أن أخرج عنه بحجة أن هذه منطقتي وأنا أتعاطف معها. كعضو في مجلس الوزراء فأنا جزء من الدولة ككل ولا أستطيع أن أخدم منطقة على حساب أخرى. حمى الوادي المتصدع * عندما تفشت حمى الوادي المتصدع بجازان.. كان كثير من الوزراء زملاءك وبيدهم تقديم الكثير للمنطقة.. ألم تحاول ولو بشكل ودي أن تقدم شيئًا لمنطقتك؟ في تلك الفترة كانت الوزارات التي يعتقد الناس أنها مسؤولة عن حمى الوادي المتصدع هي الصحة والزراعة والبلديات إضافة إلى إمارة المنطقة والجهات المسؤولة داخل المنطقة. كان كل واحد من هؤلاء المسؤولين يعتقد أن الآخر هو المسؤول. ولكن عندما تفاقمت المشكلة وأصبحت هناك وفيّات بدأ التعاون بين كل الجهات المعنية. كوزير في تلك الفترة وهؤلاء زملائي كنت أطرح الأسئلة ولكني لا أستطيع فرض الرأي لما عليهم أن يفعلوه؛ لأنه من المفترض أن يكون العمل في إطار موحّد مع جهات أخرى مثل وزارة المالية ووزارة الداخلية وربما يصل الأمر إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وولي العهد. ولي العهد في تلك الفترة زار المنطقة قادمًا من فرنسا مباشرة ووقف على المشكلة. كوزير لا أدعي أنني قدمت شيئًا ولكن ما استطعت عمله كان في إطار مجلس الوزراء. شاركت في لجنة خاصة كانت برئاسة ولي العهد والوزراء المسؤولين. عقدت اللجنة اجتماعها في جازان وحضرها الأمير نايف ووزير الصحة ووزير البلديات ووزير الزراعة ووزير المالية وطلبت الاشتراك في اللجنة وأعطيت مرئياتي وأعتقد أن هذه المرئيات كانت لصالح المنطقة كمرئيات الآخرين، وعلى إثر ذلك شكلت لجنة لمتابعة تنمية المنطقة وليس لعلاج الوادي المتصدع فقط. كانت اللجنة برئاسة الأمير نايف. تنمية جازان * زيارة خادم الحرمين الشريفين للمنطقة كانت تاريخية وتميّزت بالشفافية وبدأت الآن حركة اقتصادية.. كنت من الحاضرين أثناء الزيارة فكيف ترى المنطقة بعد تلك الزيارة؟ الملك عبدالله كان موضع ترحيب فائق من رجال ونساء وأطفال وكهول وشباب المنطقة. كان هناك إجماع كامل على آثار هذه الزيارة ونتائجها وأنها ستأتي بالخير للمنطقة، وكانت الكلمة التي ذكرها خادم الحرمين الشريفين بأن هذه المنطقة تخلفت تنمويًا وأن ذلك كان خطأ وسيتم تصحيحه. هذه كانت أكبر البشرات للمواطنين. بعد ذلك أقول والحق يقال: إنه خلال سنوات قليلة تطورت منطقة جازان وشهدت برامج ومشروعات لم تشهدها خلال سنوات طويلة من خطط التنمية السابقة. خلال خمس سنوات حقّقت المنطقة أكثر مما حققته خلال 25 سنة من خطط التنمية السابقة. لذلك أتوقع -بإذن الله- أن طموحات المسؤولين وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين والنائب الثاني وأمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز وبتكاتف المواطنين سيتحقق الكثير وستكون المنطقة ليست من مناطق الأطراف وإنما ستصبح قريبة من مناطق الاهتمام والوسط ونرجو أن يطبق ذلك على بقية المناطق الأخرى، وأن تغير مفاهيم ومرتكزات خطط التنمية. مزارعون وليسوا تجّارًا * يقال إن التجّار من أبناء جازان في الرياضوجدة لم يهتموا بالاستثمار في منطقتهم؟ أولًا ليس هناك من أبناء المنطقة تجّار في المناطق الأخرى. منطقة جازان معروفة أساسًا بأنها منطقة زراعية ولم تكن منطقة تجارية مثلها مثل مناطق القصيم والحجاز. قليل من أبناء جازان من يمارسون التجارة وهي محدودة. لا أعلم منهم إلا مليونيرًا أو مليارديرًا واحدًا علمت به قبل سنوات قليلة. البقية شبه مليونيرات وهم على أصابع اليد الواحدة. بالتالي فإن التقدم التجاري للمنطقة مرهون برجال الأعمال من المناطق الأخرى. إذا وجدوا أن البنية التحتية تسمح لهم بإقامة مشاريع كبرى سيتوجهون إليها. أما أهالي المنطقة -للأسف الشديد- ليسوا تجارًا. هم مزارعون وعلماء وأدباء وشعراء ومثقفون وصحفيون وأساتذة جامعات. أرض الشعر والأدب * جازان منطقة شعراء وأدباء كما يعلم الجميع.. ما السبب في ذلك؟ المنطقة تاريخيًّا منطقة شعراء، وشعرهم مسجّل منذ القرن الثالث الهجري لذلك لا غرابة أن تكون أجيالهم الحالية امتدادًا للأجيال السابقة. منطقة جازان يمكن تقسيمها جغرافيًا إلى أربع مناطق: الجبل والبحر والسهل والجزر. ربما كان هناك تأثير لهذه الطبيعة على سكان المنطقة من ناحية تعدد المواهب سواء كانت شعرية أو أدبية أو فنية أو ثقافية. مجلس أدبي * هل لك أن تقدم لنا إضاءة حول المجلس الأدبي للوالد؟ بطبيعة الحال كنت صغيرًا في ذلك الوقت؛ ولكني كنت أقدّم الخدمة لهذا المجلس وكنت أسهم في تقديم الشاي والقهوة ومتطلبات المجلس. كان هذا المجلس يضم إلى جانب والدي عمي عثمان -رحمة الله عليه- والمشايخ والشعراء محمد بن أحمد عقيلي شاعر الجنوب، والأستاذ محمد علي السنوسي شاعر الجنوب الآخر، والأستاذ ناصر مصطفى الكاتب الكبير. كل هؤلاء الشعراء والأدباء -رحمهم الله- كان يضمهم مجلس الوالد وكانوا دائمًا لا يدخلون إلا ولديهم كتب أخرى. كذلك كان أخي الأكبر محمّد الذي يدرس في مصر يرسل لهم مجموعة من الكتب ولدى البعض منهم مكتبات خاصة تقليدية تضم كتب الأدب والشعر والكتب الدينية والفقهية. ارتباط الأدب والقضاء * هناك أيضًا مجموعة من الأدباء والمؤرخين تعمل في مجال القضاء.. لماذا هذه العلاقة؟ في تقديري أن الأدب مرتبط بالقضاء، وكل قاضٍ أديب، ولكن ليس كل أديب قاضيًا. ثقافة القاضي في الأمور الشرعية والفكرية واللغوية تؤهله لأن يكون أديبًا. هناك أمثلة كثيرة موجودة في المنطقة. هناك رجال دين أدباء وشعراء. تزامن الأدب مع القضاء شيء طبيعي. تعثّر صحيفة جازان * أعلم أنك أحد القريبين من مشروع الصحيفة الخاصة بمنطقة جازان.. إلى أين وصل هذا المشروع؟ من الناحية النظرية يمكن تحقيق المشروع لوجود عدد كبير من أبناء المنطقة الذين يعملون في مجال الصحافة سواء في الغربية أو الشرقية أو الرياض أو أبها. لكن من الناحية العملية تحتاج الصحف لرأس مال ضخم سواء للمطابع أو المستودعات أو الأجهزة أو الشؤون الفنية أو التحريرية وغير ذلك. أي عمل من هذا النوع يحتاج إلى تمويل وإلى رجال أعمال وهم غير موجودين في المنطقة. أي صحيفة لا بد أن تبدأ بمساهمات رجال الأعمال المحليين. هذه هي الصعوبة التي تقف أمام مشروع إنشاء صحيفة في منطقة جازان. رأس المال المطلوب لإنشاء الصحيفة في حدود 400 مليون ريال. المبلغ الذي تم تقديره للبداية يبلغ أكثر من 100 مليون ريال وليس هناك من رجال الأعمال من يستطيع أن يتحمل هذه التكلفة. هناك من أبناء المناطق الأخرى من أبدوا استعدادهم للمساهمة في المشروع، لكن أهل المنطقة لا يستطيعون جمع 100 مليون في الوقت الراهن. إذا لم تكن هناك مساهمات كبيرة من أبناء المنطقة فسوف يتعثر المشروع. إذا أريد للصحيفة أن تظهر بدون مساهمات أبناء المنطقة يمكن أن تظهر مساهمات من مناطق أخرى ولكن هل لرجال الأعمال من المناطق الأخرى رغبة في المساهمة في مشروع لا يتوقعون منه مردودًا إلا بعد فترة طويلة. الدكتور هاشم عبده هاشم بذل جهدًا كبيرًا في طرح الفكرة والدراسة، ودعمها الأمير محمّد بن ناصر أمير المنطقة، ورجال أعمال هناك، ولكن الأعباء المالية المطلوبة كبيرة، والظروف الاقتصادية حاليًا غير مواتية.