بعد الأزمة المالية العالمية، هل سيواجه العالم أزمة أخرى؟ الإجابة هي ربما، وفي اعتقادي أن الأزمة المقبلة ستكون أزمة في الإبداع والابتكار، ولا شك أن نذر ذلك واضحة للعيان، ونكاد نلمسها وهي تتلصص من بين ثقوب الأزمة الحالية، وأن أثرها سيكون عميقًا بالنسبة للاقتصادات الناشئة وتحديدًا في دولنا العربية بلا استثناء، ونحن إذ نقول ذلك لم نأتِ بجديد أو نكشف عن نبوءة لم تتوضح إمارتها، وإنما هي مسألة أفصحت عنها العديد من الدراسات، وأكدها طائفة من الخبراء والمعنيين بالشأن الاقتصادي، بل إن (رويشتة) المعالجة للخروج من الأزمة الحالية تضمنت وصفة الإبداع والابتكار وطرائق التفكير غير التقليدي التي لابد للاقتصادات الناشئة وغيرها من تناولها بجرعات كبيرة ومتواصلة حتى تتمكن من تجاوز كل العثرات والأزمات المحتملة. إذًا الأزمة في الابتكار والإبداع واردة لا محالة، ولكنها ستكون عميقة الوطء بالنسبة لعالمنا العربي، وذلك من واقع الحال في مؤسساتنا التعليمية، ومن حقيقة عدم اكتراثنا وتقديرنا للبحوث ومراكزها، أو بعبارة أكثر وضوحًا، إن أزمة الإبداع والابتكار ستجعلنا في مؤخرة ركب الحضارة لأن ثقافة البحوث والدراسات ودورها في الحياة الاقتصادية وعمّا إذا كانت مراكزها لها أهميتها وضرورتها مثل الصيدليات والمشافي، لم تدخل بعد في مكونات تفكيرنا وثقافتنا، ومن هنا تتكشف عمق الأزمة المقبلة، وموقعنا من الإعراب فيها، فنحن مازلنا نتعلل بوهن الحجج، ونكتفي بثمرات إبداع الغرب.. زرعنا القمح والخضراوات، وكل مكونات البيتزا إلاّ أنها جاءت إلينا طازجة وساخنة من الخارج، وحين استعرت شهوتنا لها، وأفسحنا لها مكانًا في موائدنا، كل ما فعلناه من أجلها أننا جئنا بالمكائن، وبمن يصنعونها من الخارج، وظل (الإقط) بدويًا لم يبارح مكانه في الأسواق الشعبية إلى بلاد البيتزا لنقارعهم الطعام بالطعام. إن دور البحوث والدراسات دور عظيم، وكذلك دور الإبداع والابتكار مهم وضروري لتطوير قدراتنا، ورفع ما لدينا من تراث وقيم، ليس إلى العالمية فقط، وإنما للاستفادة من ذلك إلى أقصى حد ممكن في الاقتصاد، وفي السياسة، والصيانة ومعالجة مشكلاتنا الصحية والبيئة، والتقنية والإدارية، وكل ما يتعلق بالحياة وعمارة الأرض والإنسان، بما يتفق ويتواءم وينسجم مع ثقافاتنا ومعتقدنا. نافذة: من لم يزرع اليوم لا يحصد غدًا.