* تأكيداً على ما كتبته يوم الاثنين قبل أمس عن أن حادثة التفحيط التي قتلت الجندي سلطان الحربي تعتبر «كارثة تستحق الحزم» أقول: إن الانفلات المروري الذي تشهده طرق وخطوط وشوارع المملكة يجب إيقافه، واعتباره كارثة وطنية تستحق أن تهتم بها كل الجهات حكومية وأهلية وأسرية. * القيادة في أيٍّ من الشوارع الرئيسية والخطوط السريعة تحوّلت إلى مخاطرة، الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود.. وهكذا وضع يتنافى كلية مع السيرورة الطبيعية للحياة المجتمعية لكل البشر. فالمركبات لم توجد إلَّا لخدمة الإنسان وتسهيل حياته، واستخداماته لها ليست سوى استثمار لعامل قوة يعينه على تأدية أعماله، وتسيير شؤون حياته في سهولة ويسر. أمَّا أن تتحوّل إلى أداة قتل كما هو حادث هنا في المملكة فكارثة تنعكس دماراً على الثروة البشرية ذاتها، وعلى الوطن في كليته. * في الأشهر الأخيرة، ولظروف خاصة أستخدم طريق الحرمين السريع يومياً صباح مساء، فأتعجب من حجم الانفلات المروري سواء في القيادة أو الالتزام بالأنظمة المرورية أو حقوق الآخرين، ولا يقتصر ذلك على فترات زمنية محددة من اليوم كما في ساعات الذروة، بل يحدث وعلى امتداد الساعة وبدون توقف. * وما يثير استغرابي أيضاً أن كل هذا الانفلات ليس مقتصراً على فئة دون أخرى، كبار السن وصغاره، ومواطنين، ومقيمين، وسيارات صغيرة وأخرى كبيرة، كلها تسرح وتمرح وكأن الطريق ملك خاص للسائق أو المركبة دون أية اعتبارات لأي شيء كان حتى ولو كانت أرواح البشر. والعجيب أن المركبات من الأحجام الكبيرة والضخمة من شاحنات ووايتات بيضاء وصفراء، وناقلات بترول وخلاطات وتريلات وحاملات سيارات تسابق السيارات الصغيرة، وتتخطى هذه وتلك، وكأنها عصافير طريق، بينما هي في واقع الحال خراتيت وأفيال ترج الأرض. * وما ينتج عن هكذا حالات سواء انفلات مروري أو غياب وعي قيادي أزعم أنه لا يوجد له مثيل في كل الدنيا المعاصرة، فعدد الوفيات كبير جداً، وأعداد المصابين هائل، وحجم الخسائر المادية لا يقدر بثمن، كما أن طبيعة الحوادث ذاتها مرعبة في طريقة حدوثها وحجمها تتحول فيها السيارات والمركبات الضخمة إلى كتل مختلطة من حديد ودماء وأشلاء بشرية في صور لا تُصدّق. * قد يقول متفذلك إن الانفلات المروري والحوادث وخسائرها ليست مقتصرة علينا!! فأقول: هذا غير صحيح إطلاقاً، لأن القيادة والسفر البري في معظم أنحاء العالم متعة وراحة إلى حد أن كثيرين يفضلونه على السفر الجوي إمَّا لفوبيا أو للكلفة المادية، ولكن النظام وطريقة تطبيقه والحزم في ذلك كله أوجد هناك بيئات مريحة للحركة والتنقل، وجعل المركبة كبيرة أو صغيرة وسيلة نقل وعون للإنسان كما أوجدها وهدف منه صانعوها. * في محيط إقليمي قريب منا لفرض النظام المروري بحزم، ولكفاءة أجهزته أصبح المقيمون الآسيويون منضبطين بطريقة تثير الإعجاب، ليس كما هو حادث هنا ممَّن يقودون الشاحنات ومركبات النظافة وخلاطات الأسمنت الذين ظنوا أنفسهم في الفضاء وفوق الجميع، وهم يحركون مقود مركباتهم ويضغطون دواسات البنزين يسحقون بها الآخرين، فهم أقزام في ذهنية هؤلاء السائقين، وحجم سياراتهم ضئيل ولعدم وجود عقاب صارم. * احترام النظام، كما أكرر دوماً، تفرضه طريقة التطبيق.. ولهذا فمن الأولويات تأهيل رجل المرور مهنياً وتعاملاً واحترافياً، وترسيخ قناعة أن العمل حق وواجب مقدس للوطن وأهله، وأن الحزم في تطبيق النظام بعدل ومساواة هو أهم الوسائل والآليات التي يمكن أن تدفع وتحفز الجميع إلى الالتزام بالأنظمة المرورية، واحترام أرواح الآخرين وتحقق بيئة مرورية آمنة لا يحوقل ويبسمل المرء معها كل ثانية ودقيقة وهو في سيارته.