تواجه الطفولة انتهاكاً صارخاً لبراءتها جراء الممارسات غير الإنسانية التي تنتزعها من استمتاعها العفوي باللهو والمرح، وإقحامها في القيام بأدوار لا تتناسب مع طبيعة تكوينها الجسدي، واستعدادها النفسي؛ كل هذا يحدث إما لخنوع مادي جعل من جسد الطفولة سلعة للمتاجرة، أو خضوع لعادات وأعراف بالية اُرْتُكز عليها عند التعاطي مع هكذا إشكالية، ضاربين بكل الدراسات النفسية والاجتماعية والطبية عرض الحائط؛ والتي أثبتت خطورة تزويج الصغيرات في سن مُبكرة، لما لها من انعكاسات سلبية على نفسية الصغيرة، ناهيك عن عدم قدرتها على تحمل المسئولية المتمثلة في تكوين أسرة يُفترض أن تكون في نهاية المطاف لبنة صالحة في البنية المجتمعية. هذه القضية تتطلب مواجهة توعوية وملاحقة قانونية؛ إذ ليس من المعقول أن يعرف المجتمع الآثار المترتبة على تزويج الصغيرات، ويقف في طابور المتفرجين بسلبية أقل ما يُقال عنها إنها انهزامية داخلية دافعها الخوف من المواجهة الحقة التي بدأ صوتها يعلو بعيداً عن أي إسقاطات سلبية كان التخوف والتوجس وقودها. ولعل من الإجراءات العملية للمواجهة هو الانضمام للاتفاقيات الدولية المنادية بالمحافظة على حقوق الطفولة، والعمل على تفعيلها على أرض الواقع؛ لأن هذه الاتفاقيات تكون الدول أكثر التزاماً تجاهها، مع عدم إغفال تحايل بعض المجتمعات – خاصة القبلية - على مثل هذه الاتفاقيات من خلال إتمام زيجات الصغيرات خارج إطار النظام، إلى أن يتحقق السن القانوني ويتم بعد ذلك توثيق الزواج رسمياً، الأمر الذي يؤكد أننا أمام مُعضلة تتعلق بتدني مستوى الوعي؛ مما يعني أن على وسائل الإعلام القيام بدور توعوي يُسلِّط الضوء على المخاطر الصحية، والتأثيرات الاجتماعية والأسرية المترتبة على مثل هذه الزيجات، مع ضرورة أن يتماشى مع الدور التوعوي إقرار عقوبة رادعة لمتجاوزي هذا القرار سواءً من الآباء أو من مأذوني عقود الأنكحة. أما ما يخص الخطاب الديني تجاه هذه القضية فهو مُتباين إن لم يكن مُنقسماً على نفسه؛ فالبعض مثل سماحة المُفتي يرى أن زواج الفتيات اللواتي يبلغن سن العاشرة حلال، ويؤكد أن من يعتقد أنها صغيرة فقد أخطأ وظلمها، بينما يقول الشيخ عبد الله بن منيع : لا يمكن أن يقاس تزويج أطفال اليوم بزواج أمنا عائشة لعدم تطابق الشروط والمناخ، في الوقت الذي يُشيد فيه الشيخ القرضاوي بالقانون القطري الذي حدد سن السادسة عشرة للفتيات، السابعة عشرة للشبان للزواج. شخصياً أميل إلى ما ذهب إليه الشيخ المنيع الذي أنزل كلامه مُقتضى الحال المتماشي مع مُعطيات عصره وواقعه المُعاش؛ على اعتبار أن الفتوى قابلة للتغيير مكاناً وزماناً، بناءً على التطورات المبنية على الأبحاث العلمية التي تنفي أمراً كان مُسلماً به أو تُثبت ضرراً يُطال الاستمرار في الأخذ بها، وكنت أتمنى على الشيخ القرضاوي أن يُضمِّن إشادته مُقترحاً يرفع من خلاله سن الزواج إلى الثامنة عشرة؛ لاعتقادي أنها سن الرشد الملائمة لسن الزواج للجنسين.