مشهد محير، أزمات مفتعلة ، تتوالى بين الحين والآخر، القاسم المشترك فيها جميعا هو الضحية، وأعني به المواطن المسكين؛ فهو مغلوب على أمره، ليس له إلا أن يرضخ للأمر الواقع، في غياب الرقابة شبه التامة، والحمى المستعرة في قلوب أصحاب رؤوس الأموال أو ما يعرف في عصرنا بالهوامير. ولعل من آخر هذه المآسي هو أزمة السكن التي بات لهيبها يحيط بكل من يروم شراء أو استئجارا لمسكن يأويه وأسرته، في ظل غياب الضمير الذي يبدو أنه بات مصطلحا نادر الوجود فلا يعرفه إلا النزر اليسير من أهل الصلاح (وقليل معهم). والمتأمل للواقع يجد أن العقار بصفة عامة قد قفز قفزات غير مبررة؛ فقد بلغت نسبة الارتفاع أكثر من ثلاثة أضعاف وهو ما يعرف حسابيا ب 300%، وقد أعجبت بالشجاعة الأدبية التي دفعت سمو أمين الرياض الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف حين نصح الجميع بعدم الشراء في الوقت الراهن، وكم يتمنى المرء وجود نسبة كبيرة من أمثال هذا المسؤول الذي يشعر بالمواطن ويحس بآلامه. إن من اللافت هو ذلك الارتفاع الرهيب في أسعار تأجير الشقق وكذلك التسابق المحموم لشراء الأراضي وقلة المعروض، وهذا دفع بالبعض إلى الإحجام عن البيع في صورة مماثلة لما جرى في سوق الأسهم، ويذكّر كل من اكتوى بناره إلى التحذير من الإقدام على الشراء، وقد أخبرني صديق لي من دولة قطر أن عقارا وصل إلى ثلاثة ملايين ريال قبل فترة وجيزة قد عاد أدراجه الآن فهو لا يساوي سبعمائة ألف ريال (أقل من الربع تمام كما حال سوق الأسهم)، ولذا فان من الواضح أن أولئك الهوامير بعد أن رأوا ضعف الإقبال على الأسهم قد تحولوا بقضهم وقضيضهم إلى العقار ليشعلوه وبكل ما أوتوا من قوة ويأججوه إلى درجة يصعب على المتابع تبريرها. وإن تسال عن المسكن فلك أن تضحك – وشر البلية ما يضحك – ففي الوقت الذي استبشر الناس به خيرا وسمعوا عن شركات صينية تبني المساكن بربع تكلفة المباني الحالية، فقد تبخرت تلك الأحلام بل وعادت أسعار الحديد إلى الارتفاع، وهو أيضا غير مبرر، ليرسم لكل ذي بصيرة لوحة من الأشواك الفولاذية التي تحيط بالمواطن، لا هدف لها إلا استنزافه وتمزيق ما بيده. وثمة تساؤل كبير عن الدور الذي ينبغي أن تقوم به الجهات ذات العلاقة، والذي يبدو هزيلا للغاية فهو لا يتصف بأي درجة من الحزم مطلقا، والتجار يعيثون ويعبثون كيفما يريدون، ومرة أخرى يُشاهد الضحية في حالة من الترقب والوجل، والبحث المستميت عمن يحميه من هذه الأزمات المفتعلة التي لا تفتأ تظهر متوالية في مسلسل تراجيدي تقطّع فصوله القلب حسرة وتعتصره ألما. فهل تفيق الجهات المسؤولة وتقوم بواجبها، لتحمي المواطن من أزمة المساكن. Email: [email protected]