في كتابه الجديد «الامبريالية والمقاومة» يطرح الكاتب «جون ريز» على القارئ الذكي في زمن العولمة مجموعة الشائكة في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية ومن خلالها يلقي الضوء على الاستراتيجية الامريكية التي وضعها المحافظون الجدد من أجل أن تصبح الولاياتالمتحدةالامريكية هي شرطي العالم الوحيد صاحب القوة والنفوذ وأن تصبح كذلك هي قائدة النظام الامبريالي الجديد الذي يفرض شروطه ونموذجه الديمقراطي على دول العالم الفقير ويبعث بأساطيله وطائراته في كل اتجاه لقمع كل حركة مقاومة وكل ثورة تحرر . في الصفحات الأولى من الكتاب يتجول بنا الكاتب «جون ريز» في اجواء ما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة التي استأثرت فيها الولاياتالمتحدة بمفردها على العالم شرقه وغربه إذ إن الصدمة التي اصابت النظام العالمي بانهيار الكتلة الشرقية في عام 1989 كان من بين نتائجها تلك الحالة من عدم الاستقرار التي تشهدها النظم السياسية في مختلف أرجاء العالم بعد أن كان العالم ثنائي القطبية في فترة الحرب الباردة قد ثبت علاقات القوة في مكانها بداية من الحرب العالمية الثانية وحتى نشوب الثورات في دول اوروبا الشرقية كذلك فإن من نتائج الصدمة التي اصابت النظام العالمي في عام 1989 قيام الولاياتالمتحدةالامريكية بمحاولات لخلق نظام امبريالي جديد بما يصاحب هذه المحاولات من خطورة وشك. ذلك التحول الكبير والصادم في المشهد السياسي العالمي يجد له المؤلف ما يناظره في التاريخ من حيث الدرجة والتوابع وذلك بالرجوع إلى تلك الفترة التي شهدت صعوداً في الحركة الاستعمارية الأوروبية أو ابان الحرب العالمية الاولى أو اثناء سقوط الستار الحديدي بين دول أوربا بعد الحرب العالمية الثانية وهي الفترات التي ارتكبت فيها جرائم فادحة . وفي الوقت الذي بدأت فيه ادارات الدول الاوروبية الاستعمارية تخليها عن مستعمراتها عقب ظهور حركات التحرير الوطنية وحصول دول في العالم الثالث على استقلالها بدأت كذلك الولاياتالمتحدةالامريكية في قيادة تحالفات عسكرية تضم عدداً من الدول وفي السيطرة على اقتصاديات عدد آخر من الدول في كل انحاء العالم أما الاستثناء الوحيد في هذا السياق فقد حدث في روسيا وفي مناطق شرق أوروبا عندما حققت العسكرية الروسية نصرا على النازيين ومن ثم كان مؤتمر يالتا وما تلاه من مؤتمرات وفيها تم تقسيم أوروبا بواسطة القوى الكبرى وكان الاستثناء هو قيام الثورة الصينية في عام 1949 دون تدخل مباشر من العسكرية الغربية أو الشركات الغربية . وطوال فترة الحرب الباردة انتقل الصراع بين القوى العظمى، الذي انتج للقرن العشرين حربين عالميتين إلى شكل آخر من الصراع على الانفراد بالتفوق والقوة ومنذ اللحظة الأولى نشبت حروب القوى العظمى بعيدا في مناطق حروب ساخنة في كل من اركان العالم الثالث في جنوب شرق اسيا مرورا بافريقيا وكوبا وحتى شيلي وكل معركة من هذه المعارك نشبت تحت رايات من الشرق أو الغرب وتحت أعلام رأسمالية وشيوعية . في الوقت الذي بدأ فيه الرئيس الامريكى رونالد ريجان مشروع حرب النجوم في الثمانينات كان الهدف الصريح من ذلك المشروع هو ممارسة مزيد من الضغط الاقتصادى على روسيا التي كان عليها ان تنشىء سلاحاً ليس في استطاعتها التفوق فيه على الامريكيين وكانت ثروات روسيا الاقتصادية المخصصة للإنفاق في الابحاث والتصنيع أكثر أهمية بكثير من إنفاقها على انتاج سلاح لا يمكنها أن تنافس به امريكا . وفي بداية القرن الواحد والعشرين ظلت الولاياتالمتحدة صاحبة أقوى اقتصاد في العالم ولكن بدرجة أقل نسبياً مما كان عليه الاقتصاد الامريكى ففي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية عندما ساعدت أمريكا الدول الاوروبية المنهكة اقتصاديا جراء الحرب من خلال خطة مارشال فضلا عن قيام الولاياتالمتحدة بعد ذلك بإنشاء مؤسسات اقتصادية متعددة الجنسيات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وهي المؤسسات الاقتصادية التي تتمتع بتأييد أمريكا سياسياً وعسكريا في الوقت الذي لم تحظ فيه المؤسسات الاقتصادية متعددة الجنسيات بتأييد مناظر من بقية دول العالم وخاصة في اوروبا وهذا التأييد الامريكي للمؤسسات الاقتصادية لم يكن مصدره رغبة الولاياتالمتحدة في تقديم المعاونة والدعم لاقتصاديات الدول الاخرى وانما لأنها ببساطة كانت تمر بفترة تراجع نسبي في اقتصادها الأمر الذي جعلها تفعل ذلك من منطلق نفعي براجماتي . في الوقت الذي شهدت فيه الولاياتالمتحدة نوعاً من التراجع في قوتها الاقتصادية لم تشهد على نحو مشابه تراجعاً في قوتها العسكرية بل العكس فقد خرجت الولاياتالمتحدةالامريكية من الحرب الباردة وهي تتمتع بقوة عسكرية مكنتها من الهيمنة على كل العالم على نحو لا مثيل له من قبل هذه الثنائية المتعارضة – التراجع النسبي في الاقتصاد الامريكي والتفوق الكبير في القوة العسكرية الامريكية – هي الاساس الذي بدأت منه الولاياتالمتحدةالامريكية استراتيجيتها في بداية القرن الواحد والعشرين . فور انتهاء الحرب الباردة كان من المفترض أن يبدأ نظام عالمي يشيع فيه السلام والازدهار بعد ان ساد العقل والمنطق فيما يخص الانفاق المجنون على التسليح وبعد توقف السباق النووي بين القوتين العظميين وحدوث انخفاض كبير في النسبة المئوية المخصصة للتسلح من اجمالى الناتج لهاتين القوتين. لم يكن التخفيض الحادث في الانفاق الامريكي على التسليح بنفس حجم التخفيض الكبير الحادث في إنفاق دول اخرى ونتيجة لذلك حدث اختلال في ميزان القوى العسكرية صب في صالح الولاياتالمتحدةالامريكية وبصفة خاصة فيما يتصل بميزان القوة العسكرية الامريكية مقارنة بالقوة العسكرية التي عليها الدول التي تصفها أمريكا بأنها دول تشكل تهديداً. أظهرت حرب الخليج الأولى في عام 1991 مدى القوى المسلحة للولايات المتحدة الاميركية لكنها كشفت ايضا عن ان الذين يديرون السياسة الخارجية للولايات المتحدةالامريكية كانوا في شدة التوق لجعل هذه الحرب متعددة الجنسيات ومارسوا ضغوطاً لتوريط الأممالمتحدة حقيقة الأمر ، دخلت الولاياتالمتحدة حرب الخليج الأولى ببرنامج استعرته من الحرب الباردة فعلى سبيل المثال نقلت الولاياتالمتحدة خطة المعركة الجوية الأرضية التي خاضتها في حرب الخليج الاولى من الخطة الاستراتيجية لحلف الناتو في اوروبا . وفي هذا الصدد خلص «ستيفين بيلتيير» المحلل السياسي في وكالة المخابرات المركزية الامريكية سي ان اي خلال الحرب العراقية الايرانية إلى أنه في الحالة العراقية تبنى الامريكيون استراتيجية حرب يفترض أن تشن ضد قوة عظمى كروسيا ثم قاموا بشن هذه الحرب ضد قوة من الدرجة الثالثة أما التبريرات الايديولوجية التي سبقت شن الحرب في عام 1991 فقد تركزت في ان صدام حسين هو هتلر الجديد مثل تناصر في حرب عام 1956 كذلك كان الحرب ضد الارهاب هو التبرير الجاهز الذي استخدم كثيرا منذ الهجوم الذي تعرض له برجا مركز التجارة العالمي في نيويورك في الحادى عشر من سبتمبر 2001. بعد ان انتهي ذلك الاستقرار الخطر الذي كفله عالم ثنائي القطبية قامت الولاياتالمتحدة بشن حرب الخليج الاولى لأنها لم ترد أية تحديات توجه إلى قوتها العظمى في فترة ما بعد الحرب الباردة وإذا كان هذا الامر حقيقيا فيما يتصل بالشرق الأوسط فانه فيما يتعلق بالعالم الواسع فإن الولاياتالمتحدة أرادت من حرب الخليج الأولى توصيل رسالة إلى الدول الاوروبية وغيرها أنها ما زالت شرطي العالم القوي صاحب النفوذ ومنذ ذلك الوقت وحكام الولاياتالمتحدةالامريكية يطرحون السؤال : كيف يمكن احتواء أية تحديات في المستقبل توجه إلى القوة العظمى الامريكية .