أكد الخبير والباحث السعودي د.عبد الله بن سعيد بالخير أستاذ علم المياه بكلية الأرصاد والبيئة بجامعة الملك عبد العزيز أن التنبؤ بحجم ومخاطر السيول قبل حدوثها أمر بات ممكنا وقال أن بحثه وابتكاره الحائز على جائزة المؤتمر العلمي بالرياض العام الماضى استهدف تصنيف درجة خطورة السيول وتوقع حجم خسائرها التي قد تحصل في الأرواح والممتلكات مشيرا الى أن ابتكاره يتنبأ بحجم السيول التي قد تحدث بنسبة تزيد على 80% قبل وقوعها ويضع حلولا سريعة لدرئها ومنع أخطارها الأمر الذى يتيح للمختصين اتخاذ القرار فى بناء المنشآت كالسدود والمحولات وقنوات التصريف فى المواقع الخطرة وعن كارثة سيول الأربعاء الحزين وعلى رقبة من نعلق مسئوليتها قال بالخير ان جميعنا مسئولون عن الفاجعة وتداعياتها المؤلمة مؤكدا أن هناك هوة واضحة بين القطاعات المعنية وتعاوناً مفقوداً كما أن أسماء الباحثين المتميزين والذين ينبغى الاسترشاد بآرائهم « مجهولة « لا يعلمها إلا النذر اليسير. وعدد بالخير الأسباب الحقيقية وراء كارثة جدة مرجعها الى قلة الوعى وغياب ثقافة الكوارث الطبيعية والطوارىء والإنذار . وكان الخبير السعودي د. عبد الله بالخير قد حقق انجازا علميا غير مسبوق بإبتكاره طريقة جديدة وفريدة من نوعها على مستوى العالم العربي، لحل مشاكل السيول المدمرة والفيضانات المفاجئة الناتجة عن العواصف المطيرة لأودية المملكة، ووضع الحلول لدرئها.وحصل على جائزة أفضل بحث علمي على مستوى العالم العربي من ضمن 203 بحث قدم في المؤتمر العلمي بمدينة الرياض تحت عنوان « إدارة الكوارث وسلامة المباني في الدول العربية. «المدينة» التقت د.بالخير على صفحاتها لتسأل عن الإبتكار ونتائجه والجائزة وتأثيرها وسيول جدة وتداعياتها المؤلمة وتقف على مرئياته العلمية للتصدى لمثل هذه الكوارث مستقبلاً. الجائزة والبحث ** بداية كيف علمتم بالجائزة ومتى عزمتم على التقدم ببحثكم الفائز؟ الجائزة أعلنت عنها وزارة الشئون البلدية والقروية بالمملكة عام 2008 م بعد أن حظيت بثقة مجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب المنبثق من جامعة الدول العربية لتنظيم مؤتمر دولي بعنوان «إدارة الكوارث وسلامة المباني في الدول العربية» لتحفيز العلماء والباحثين والمهندسين العرب للتقدم بأبحاثهم العلمية وإلقائها في المؤتمر ووصلنا هذا الإعلان عن طريق الجامعة بخطاب رسمي يحث على المشاركة وبعدها تقدمت ببحثى الذى يحمل عنوان “ نمذجة تدفق المياه السطحية للتنبؤ بحدوث سيول مدمرة وتصميم نظام إنذار مبكر لإدارة الطوارئ» تحت محور الكوارث الطبيعية ورصدها ، وتم تقييم البحث من قبل محكمين من ذوي الاختصاص، ولم اعلم باختيار بحثي ليكون ضمن الأبحاث الخمسة الفائزة بخمس جوائز تمثل خمسة فروع وهي محاور المؤتمر إلا في اللقاء الختامي للمؤتمر بعد أن أعلن ممثل اللجنة العلمية بأن الأبحاث الفائزة تم إعادة تقييمها وإجازتها من قبل خمسة علماء يمثلون خمس دول عربية مختلفة ، وقد تم تكريم الفائزين في نفس اللقاء، وبلغ عدد الأبحاث المقدمة 203 بحث. ** وهل كانت الجائزة مادية أو معنوية أو جمعت بينهما ؟ الجائزة جمعت بين التقدير المادى والمعنوي وكانت عبارة عن شهادة تقديرية ومبلغ مالي. البحث ذو شقين ** هل لكم أن تعطونا نبذة عن البحث الفائز والذى يناقش قضية بالغة الأهمية؟ البحث ذو شقين، الشق الأول يتناول نمذجة المياه السطحية وهو باختصار إيجاد علاقات رياضية فيزيائية تربط بين هطول الأمطار وحدوث السيول في الأودية وبعد ذلك يتم نمذجة هذه العلاقات ووضعها في خوارزميات يتم إدخالها في الحاسب الآلي لإجراء العمليات الحسابية، فبمجرد تزويد برنامج الحاسب الآلي بالمدخلات مثل كميات الأمطار المتوقعة وطبيعة التربة وخصائص الوادي نحصل على المخرجات وهي حجم السيل المتوقع ولحظة حدوثه ومعلومات عن قوته وحجم المياه المتدفقة وهذه المخرجات هي التي من خلالها يمكن تحديد خطورة السيول المتوقعة وبالتالي اتخاذ التدابير اللازمة، والشق الثاني من البحث يتناول مقترحاً لتصميم نظام إنذار مبكر وهو باختصار نظام يعمل على إخبار الجهات المعنية والإدارات المسئولة وسكان المنطقة بالطرق المناسبة والمضمونة وبوقت كاف عن قرب موعد حدوث كوارث سيول مصاحبة لعاصفة مطرية بناءً على توقعات ومدخلات مناخية واستنادا إلى مخرجات النموذج الرياضي. على أرض الواقع ** هل تمت تجربة هذا البحث على ارض الواقع للتأكد من فعاليته وجدواه ؟ نعم لقد تم تطبيق البحث على بعض الأودية في جنوب غرب المملكة، وهذه الأودية تغطي مساحات شاسعة وتعاني سنويا تقريبا من كوارث السيول لكثافة هطول الأمطار عليها، ولحسن الحظ كانت لهذه الأودية سجلات أمطار وسيول سابقة وبالتالي ساعدتنا على التأكد من صحة وجودة النموذج الرياضي المستخدم للتنبؤ بحجم السيول المستقبلية جراء هطول الأمطار وذلك بمقارنة الواقع مع مخرجات النموذج الرياضي.أما الشق الثاني من البحث فلم يتم تطبيقه لعدم وجود تعاون بين الجهات البحثية والجهات التنفيذية، فنظام الإنذار المبكر يحتاج إلى تعاون مرتب بين عدد من الجهات بما فيها الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة والدفاع المدني ووزارة الصحة. الاستفادة الحقيقية ** هل بحثكم منشور وكيف يمكن الاستفادة منه ؟ نعم البحث منشور في سجلات المؤتمر العلمي ويقع في المجلد الثالث ويوجد أيضا في الإصدار الخاص للمجلة العلمية لوزارة الشئون البلدية والقروية، كما أني وبالصدفة وجدته منشورا “ بدون استئذان” في احد المنتديات على الانترنت. سيول الأربعاء ** كنتم شهودا على تداعيات سيل الأربعاء وتأثيره على جدة هل تعتقدون أن البحث يمكن تطبيقه على أودية المحافظة؟ البحث يمكن تطبيقه على أي مكان في العالم وعلى أي واد ولست الوحيد الذي يعمل عليه فقد تم استخدامه بواسطة كثير من الباحثين والمراكز البحثية في أنحاء العالم وكانت نتائجه جيدة ويتم الاعتماد عليه في بعض الأعمال الهندسية، وبالتأكيد يمكن تطبيقه على أودية محافظة جدة وغيرها من مدن المملكة، ويحتاج في تطبيقه إلى بيانات أكثرها متوفر بخلاف النماذج الرياضية الأخرى ويتعامل النموذج مع المدخلات على حدا بمعنى أن كل واد يتم دراسته يعطي نتائج تختلف عن الوادي الآخر لطبيعة الاختلاف بين الأودية في كثير من الخصائص، وبعض الأودية تحتاج إلى مزيد من الاشتقاقات الرياضية للتعامل معها وهذا ممكن. لا أعلم عنها ** تجري حاليا دراسات على مشاكل السيول في محافظة جدة بغية تلافيها مستقبلا وقد شكلت لذلك بعض الجهات فرقا بحثية، لماذا لم تشاركوا في هذه الدراسات ؟ في الحقيقة لم اعلم عن هذه الجهات وفرقها البحثية إلا عن طريق الصحف ولم أدع للمشاركة ولعل السبب يعود لعدم وجود تعاون علمي بين الجهات المعنية والجامعات المتخصصة أو الباحثين، أو لعدم معرفة تميز الباحث الفلاني في التخصص الفلاني بعكس ما يحدث في الدول المتقدمة، عموما كثير من جامعات المملكة تزخر بنخبة من العلماء والباحثين المتميزين في تخصصاتهم والذين تلقوا علومهم في دول متقدمة ولكن لعدم وجود تنسيق وتعاون فعلي تبقى أبحاثهم حبيسة الأرفف. دعم الجامعة ** بما أنك في جامعة مرموقة، هل وجدت الدعم والتقدير اللائق بهذا التميز؟ في الحقيقة الجامعة لا تألو جهدا في دعم مسيرة البحث العلمي وقد تميزت بما تزخر به من أعضاء هيئة تدريس متميزين في أبحاثهم بمكانة عالية بين الجامعات في مجال البحث العلمي، فلدى الجامعة العديد من مراكز التميز البحثي ومراكز الأبحاث والكليات المتخصصة وبالنسبة للتقدير فقد تلقيت خطاب شكر خاص من معالي مدير الجامعة يهنئني فيه بالجائزة ويحفزني لبذل المزيد وانأ اشكره على هذا. التداعيات مستمرة ** بوصفك باحثا متخصصا. ما رأيك فيما حدث في الأربعاء الأليم وماهو تقييمكم لتداعياته؟ ما حدث في ذاك الأربعاء أصبح ماضياً وأسأل الله أن يتغمد الغرقى والأموات بواسع رحمته ويعوض أهاليهم خيرا، أما التداعيات فلا زالت مستمرة ولا أظنها ستتوقف حتى تحل مشكلة جدة بل مشاكل جدة البلدية. ** السيول تحصل في كثير من دول العالم ولكن لا تخلف دمارا وفقداناً في الأرواح بالحجم الذي شاهدناه في جدة، في نظرك ما هو السبب ومن المسؤول؟ ما ذكرته يميل كثيرا إلى الصحة والأسباب في نظري كثيرة ولعل أبرزها قلة الوعي ونقص في الثقافة على كافة المستويات ولا اقصد الثقافة بالمفهوم الشائع عند الناس ولكن ثقافة الكوارث الطبيعية وثقافة التلوث البيئي وثقافة الإنذار المبكر وثقافة الطوارئ، فكثير من الناس يجهل هذه الثقافات وربما ينسحب الأمر على نسبة لا بأس بها من المتعلمين، ولعل مجتمعاتنا معذورة إلى حد ما في جهلها بهذه الثقافات والممارسات كونها قليلة الحدوث أو نادرة، ولكن إذا وصل الأمر إلى فقدان في الأرواح فيصبح من الضرورة الإلمام بهذه الثقافات على جميع الأصعدة. كلنا مسؤول ** إذن من تعتقد المسؤول فيما حصل ؟ باختصار جميعنا مسؤولون عن كارثة جدة باختلاف نسب المسؤولية. منذ بداية الحدث والى يومنا هذا انصب جام الغضب والمسؤولية على أمانة جدة وأنا لا ابتعد كثيرا عن هذا الاعتقاد، بلا شك تتحمل الأمانة النصيب الأكبر من المسؤولية بصفتها جهة تنفيذية ومسؤولة عن تلك السيول وتصريفها من خلال الأودية، وغيرها لكامل المحافظة وقد تبين أن السبب الرئيس لما حصل هو البناء في مجاري الأودية، وهذه مسؤولية الأمانات المتعاقبة منذ بداية إعطاء أو تصريح بناء. ولكن السؤال متى وقع اللوم على الأمانة ؟ بالتأكيد بعد حصول فاجعة جدة وقبل ذلك لم نسمع عن تلك المشاكل ولم نقرأ في الصحف عن مخططات شرق الخط السريع والواقعة في بطون الأودية وأنها على درجة عالية من الخطورة، فهل كانت الأمانة وقتها بريئة ؟ وهل ننتظر دائما كارثة لتكشف لنا المستور؟ تحصل كثير من الكوارث في بلدان العالم ولكن لا تلام إلا الجهات التي أخفقت في عملها ونحن بدورنا نحاسب الأمانة بقدر إخفاقها. دور الأمانة ** في نظرك مالذي كان يمكن أن تفعله الأمانة لتلافي ماحدث؟ ما يجب أن تفعله الأمانة يتلخص في عدد من المهام، يمكن اختصارها فيما يلي: أولا: ما حصل بلا شك أمر مكتوب ولكن نحن البشر بطبيعتنا يجب أن نحاسب أنفسنا. فالأمانة لا يمكن أن تفعل شيئا حتى لوعلمت بالحدث قبل وقوعه بشهر سوى بإخلاء المنطقة من السكان والممتلكات الثمينة وهذه ليست من مهام الأمانة، أما ما يجب أن تفعله منذ توليها أمانة المحافظة على مدينة جدة هو إعطاء الأولوية لمشاريع المياه سواء تصريف مياه السيول أو الصرف الصحي، واللوم الذي يقع على الأمانات المتعاقبة هو أنها وبعد أن وجدت أن المخططات السكنية واقعة في بطون الأودية كان يجب عليها أن تعمل على حماية هذه المخططات بشبكة تصريف لمياه السيول، والسؤال الموجه للأمناء وإدارتهم التي وافقت على تلك المخططات هو: إذا علمت الأمانات أن هذه المخططات واقعة في مجرى السيل لماذا لم تشيد مجرى خاصاً لحمايتها في الوقت الذي صدر في تصريح المخطط ؟ وكما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح « إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته ). فخطوة عمل مجار لتصريف مياه سيول المخططات المخالفة من شأنها إنقاذ الأرواح البريئة على الأقل بعد مشيئة الله، أما الاستمرار في قبول الخطأ السابق يؤدي إلى خطأ أفدح منه وهذا ما حصل. منذ ثلاث سنوات **ذكرت قبل قليل أننا جميعا مسؤولون عما حدث، وانتم بحكم تخصصكم لماذا لم تتنبأوا أو تتوقعوا حصول مثل هذه الكوارث وتبلغوا عنها مسبقا ؟ نعم ذكرت بأنها مسؤوليتنا جميعا لأن الحدث يمس المواطن بالدرجة الأولى وكثيراً من الجهات الحكومية وغيرها. أما بالنسبة للتنبؤ بحدوث سيول مدمرة أو كوارث طبيعية فهناك جهات مسؤولة عنها مثل الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، ونحن الباحثون في الجامعات نجري الدراسات والأبحاث كل في تخصصه ولا نكلف أو نرغم على دراسة مشروع ما إلا إذا طلبت استشارتنا، أما فيما يخص فاجعة جدة فيجب أن أشير إلى مقال كتبته قبل ثلاث سنوات وبالتحديد في تاريخ 23/10/1427ه في إحدى الصحف المحلية بعنوان «دورة الأمطار في جدة» ، ففي هذا المقال تحدثت بصفة عامة عن علم المياه (Hydrology ) وعن مشاكل جدة مع الأمطار وأشرت إلى مشاكل أودية شرق الخط السريع وذكرت أسماءها وأنها تشكل خطراً وعبئاً على محافظة جدة واقترحت إنشاء شبكة تصريف خاصة لسيولها وكذلك عزلها بشريط حدودي يمتد إلى العمق. فهذا المقال تم نشره ولم أتلق أي ردود فعل أو تعليق أو نقد أو استشارة.