من عظمة الدين الإسلامي أن جعل للأموات الحرمة التي لا يجوز لكائن من كان التعدي عليها أو بأي شكل من الأشكال انتهاكها ومن هذا المنطلق فإن إيذاء الميت في قبره مثل إيذائه حياً ويحرم التعدي على قبره أو التصرف فيه بشكل يدعو إلى عدم المحافظة على إنسانيته، لأننا ندرك تماماً ونعرف جميعاً أن الرأي الغالب عند فقهاء المذاهب الأربعة تحريم نبش القبور إلا ما فيه مصلحة الميت، وحادثة السيل الذي جاء يخترق الوادي القريب من شهداء أحد في عهد الخليفة سيدنا معاوية فأمر بنقل جثثهم إلى موضع آخر آمن بعيداً عن مجرى السيل، ثم طلب من ذوي الأموات بأن يشرفوا بأنفسهم على نقل الجثث إلى الموضع الآمن حفاظاً على جثث الأموات التي لم تتغير ولم تتبدل لأنهم شهداء. ولم يكن ذلك إلا حفاظاً على النفس الإنسانية، فالإنسان عندما يموت يكون جسده قد أبلي وتعرض لعوامل عديدة وهذا القبر الذي يحتويه يكون ستراً له -يقول المولى عز وجل- (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)، وهذا تفرضه معظم الأديان وكريم الأخلاق وقبلها الفطرة الإنسانية تصديقاً لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (إكرام الميت دفنه) وبالتأكيد فإن نبش القبور يعرض الميت إلى الإيذاء أو إلى كسر بعض أعضائه فالميت يشعر مثل ما يشعر الحي - يروي البخاري بإسناده عن عطاء قال - حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بسرف، وهو مكان قريب من التنعيم بمكة المكرمة فقال ابن عباس - هذه زوجة النبي صلى الله عليه وسلم - فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها وأرفقوا. والحديث الآخر عن عمارة بن حزم - قال رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً على قبر فقال يا صاحب القبر أنزل عن القبر لا تؤذي صاحب القبر. هذا حال من لا يتعمد ولا يقصد إيذاء الميت فكيف بالذي يقصد أن يؤذي الميت وينبش قبره بجراءة ويبني على المقابر المرافق والمباني، فقبل فترة ليست بالطويلة شاهدنا برنامجاً على قناة الإخبارية وكاميراتها تتجول في إحدى القرى التي بنيت فوق مقابرها المباني والمرافق وسكان القرية يتحدثون بألم وحرقة لامتهان حرمة الأموات. ثم قبل سنوات حدثت حادثة بالمدينة المنورة نذكرها حيث تم نبش بعض القبور وكان الأولى أن يعمل لها سور وتحاط به وفق متطلبات الشريعة الإسلامية حتى لا يدعو ذلك إلى اللغط الذي نحن في غنى عنه في ظل التناقضات الصاخبة والخروج عن المألوف خصوصاً أن الإسلام كرم الأموات وأنكر هذا العمل وإبداء الرأي فيه، ولكن بعض المتشددين يحتاجون إلى فهم مقاصد الشريعة بعيداً عن التطرف الذي أغرقنا وأدخلنا نفقاً مظلماً. واليوم يتدخل مفتي عام المملكة سماحة الشيخ الإنسان عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ يتحدث عن أهمية حفظ النفس الإنسانية من الإيذاء والنبش، وكلماته كانت للحد من هذه الظاهرة وهذا الفعل الشنيع وامتهان المقابر والاعتداء عليها خلال تنفيذ المشاريع فأطلق سماحته توصيات تنص على ضرورة إلزام الأجهزة الحكومية المعنية بالتأكد من ضرورة تضمين الدراسات الأولية للمشاريع الخدمية وغيرها التي تؤكد خلوها من المقابر قبل التنفيذ، نعم يا سماحة الشيخ لقد علمتنا أن الإنسان يكرم على هدي ما كرمه المولى عز وجل، علمتنا يا سماحة الشيخ أن من أهم مقاصد الشريعة حفظ النفس الإنسانية وحرمة الاعتداء عليها.