بين الفِينة وأختها -كما يَقول شيخنا، الذي أحيا كَثيرًا مِن الألفَاظ، «مصطفى لطفي المنفلوطي»- أُلقي نَظرة على عَالَم الطَّرب، لأرى ما تَحرَّك واضطرب، وتَغيّر وانقلب، وتَبدَّل وذَهب، وكُلّ ما هو مَجموع فيه بقولك «يا عَجب»..! وبحُكم أنَّني نَشأتُ وتَرعرعتُ على «ثُلاثي طَربي جميل»، مُكوَّن مِن المطرب «فوزي محسون»، والشَّاعر «صالح جلال» –رحمهما الله-، وثالثة الأثافي السيّدة الشَّاعرة «ثريا قابل» –متَّعها الله بالصّحة والعَافية-، ولا عجب، فقِدْر الإبداع -في تلك السِّنين- كان يَقوم على هذا الثُّلاثي المُدهش، الذي يَمتزج ببعضه، ليُخرج لنا الرَّوعة والأصَالة..! بَعد كُلّ هذه السِّنين، أجلس أحيانًا أمام نَفسي وأتساءل: كيف غَابت عن آذاننا؛ تلك المُفردة الغنائيّة الحجازيّة الجميلة، التي نَطلّ عليها مِن نَافذتي «صالح جلال»، و«ثريا قابل»، اللذين حَلَّقا بالمُفردة الحجازيّة، حتَّى جَعلاها تَجري على كُلِّ لسان، ومَن فينا لا يَتذكَّر «سبحانه وقدروا عليه»، أو «حاول كدا وجرّب»، أو «قديمك نديمك»، أو «يا طيري لماذا الصياح».. إلى آخره..؟! حقًّا، إنَّني أشعر بغصَّة، لغياب المُفردة الحجازيّة الشَّعبيّة، عن مَسرح الطَّرب المحلي، فبوَفاة الفنَّان الكبير «أبو إبراهيم» «فوزي محسون»، تَقلَّصت هذه المُفردة، لتَكون حبيسة أدراج شُعرائها..! إنَّني أقول -وبارتياح كبير-: ليس مِن مَصلحة «تُراثنا الشَّعبي» أن تُسيطر لهجة وَاحدة عَلى كَافّة المَناطق -كما هو حَاصل الآن- حيثُ هيمنت المُفردة النَّجديّة، لأنَّ التَّنوّع فيه ثَراءٌ وإغنَاء، والتَّعدُّد فيه تَسمينٌ وإروَاء، ومَن يَدرس اللغة العربيّة، يَعرف أنَّ اللهجات -منذ الجاهلية وحتَّى الآن- كانت مُتعدِّدة، ومُتنوّعة ومُتجاورة، بحيثُ لم تُلغِ أي لَهجة أختًا لها، أو ابنة عم، أو ابنة خال..! حَسنًا، لنَعُد إلى الموضوع المذكور أعلاه، وحين العودة لابد أن أشكر المُطرب القَدير «محمد عبده»، حين صَدح بأغنية جميلة مَعنى ومَبنى، مِن كَلِمَات أستاذتنا الشَّاعرة «ثريا قابل»، فأعاد شيئًا مِن وَهج المُفردة الحجازيّة، حين «مَوسق» ب«حَنجرته المَائيّة» كَلِمَات «ثريا» القَائلة: حطني جوا بعيونك شوف بيّا الدنيا كيف أحلى من شوقي وجنونك لما أجيلك يوم ضيف والله واحشني زمانك جلستك حضنك حنانك يا منى روحي وقلبي تعبت أداري في اشتياقي زحمة حولي ومَني لاقي وقت فرصة للتلاقي ودي أشيلك وأسافر وأترك العالم وأهاجر حتى تعرف لأجل عينك قد إيه أقدر أخاطر!!! حسنًا.. ماذا بقي..؟! بقي القول: شكرًا يا «ثريا»، وشكرًا أكثر يا «أبا نورة»، لأنَّك ذكَّرتنا بشَاعرة مُبدعة كَاد أن يَطويها النِّسيان..!.