ما أكثر الدراسات والكتابات والخطط المراجعات وحتى الانتقادات التي ارتبطت بهموم قضية البطالة والعمل، وأي كلام وجهد في هذه القضية إن لم يصب في جوانب تفيد شبابنا ،يصبح حرثا في البحر،فيما القضية كانت ولاتزال محل الاهتمام من الدولة. ما أود التأكيد عليه هو كيف يمكن إحداث المزيد من التغيير الايجابي لدى أبنائنا وبناتنا، ليستثمروا ما لديهم من قدرات بالتدريب والتأهيل، فالأموال ليست هي الوحيدة التي تستثمر، بل الإنسان هو القيمة الأهم في تحقيق التطور بما أودعه الله تعالى فيه من قدرات عظيمة،إن أُحسِن استغلالها وتوجيهها،وغرس العزيمة وحسن إدارة الوقت،وهذا ما يميز بين إنسان وآخر ومجتمع عن غيره في أي مجال وفي كافة مراحل الحياة.نعم نتمنى ألا يوجد مواطن بدون عمل،كما أن وجود ملايين الوافدين لا يعني (عمليا) إمكانية الإحلال الكامل في كافة المجالات، فهذا لا وجود له في العالم حتى في أكثر الدول تقدماً،ومع افتراض ذلك فهناك مجالات تحتاج إلى سنوات لتحقيق الاكتفاء الذاتي فيها، ناهيك عن طبيعة سوق العمل عرضا وطلبا ومدى تأثير التخطيط والآليات الكفيلة بتوطينه،وكذا الاستثمارات المستقبلية طبقا لأفكار وحركة رأس المال واتفاقية التجارة العالمية الخاصة بحرية انتقال العمالة ورؤوس الأموال. إذاً المطلوب أعلى قدر من المنافسة الشاملة بالقدرات حتى بين الكفاءات الوطنية نفسها،فما لايناسب هذا قد يقبل به آخر،وما يتعثر فيه شاب قد يتفوق فيه غيره.كما أن سوق العمل تغير وأصبح يبحث عن هذه الميزات لدى الكفاءات السعودية التي هي اليوم تستقبلك وتنجز الخدمات ،ولدينا ولله الحمد أجيال عدة تقوم على مراحل كثيرة في العمل إدارة وتخطيطاً وتنفيذا وتسويقاً وغير ذلك. لكن ما نحتاجه حقاً هو خارطة طريق لسوق العمل تقوم على تصنيف دقيق له..كم يبلغ حجمه وما معدل نموه وما طبيعة مجالاته واتجاهات بوصلتها، وما مؤشرات احتياجاتها. وعلى ضوء ذلك لابد من خطط محكمة لتأهيل شبابنا على أسس متكاملة تقوم على آليات وقنوات نشطة تضمن التدريب الحقيقي وتيسر التوظيف، خاصة أن أجيالاً عدة غرست الثقة في مختلف مجالات العمل ونباهي بها حقاً، ولا أبالغ إن قلت أن معظم أصحاب الأعمال لديهم قناعة أكيدة بذلك وهذا أمر جيد بعد سنوات من الجزر والمد الذي تحول إلى حراك وقوة دفع لهذه الثقة. لذا يجب أن نساعد على تحفيز الهمم لدى الشباب ليس بالآراء المثبطة، وإنما بجهد حقيقي فالعواطف والتعميم والاتهام لهذه الجهة أو تلك تسبب الإحباط، كما أن خلط الأوراق تجاه أفكار مطروحة مثل الإعانة المالية للعاطلين عن العمل،من شأنه أن يحرض على الركون والتواكل،ولعلنا نتابع النقاش القائم بين المؤيدين والمعارضين لها في مجلس الشورى.لذا لابد وأن نحدد الهدف من الإعانة وماذا يراد بها ؟ ولماذا لا نفكر بطريقة آخرى، وأعني كيف يمكن أن تصبح الإعانة في حال إقرارها سبيلاً للمستفيد بها ليقوي قدراته بدورات متخصصة،بدلاً من أن تصبح وكأنها مجرد إرضاء للضمير الوطني بتخفيف ضغوط الوقت والحياة عليهم لحين عملهم.فما يهمنا جميعا أن لا تتحول الإعانة في النهاية إلى أرقام إضافية للاستهلاك دون استغلال حقيقي لها يمهد لمستقبلهم. ولذلك ما أدعو إليه أن نهيئ للشباب سبل بناء القدرات واستغلال ما لديه من طاقة ووقت وطموح وأؤكد على هذا كثيرا،فوضوح الرؤية مهم على الصعيد الشخصي وتشكل طبيعة المجتمع مثلما نرى سمات مجتمعات أخرى كاليابانيين والصينيين وغيرهم. وترسيخ المثابرة والقدرات يسهم في فتح أبواب أوسع لسوق العمل وليس مجرد كوة أو نافذة نشكو من ضيقها ونستغرق في انتقادات للقطاع الأهلي أو لجهود الدولة. لدينا اليوم على سبيل المثال لا الحصر (50 كلية مجتمع) تغذي سوق العمل بكفاءات مطلوبة.وعن تجربة شخصية لدينا في كلية المجتمع بجدة نموذجا لثقافة العمل إلى جانب برامج الدراسة في تخصصات هامة مطلوبة،وتعاون وثيق مع شركات كثيرة..وبدون مبالغة كافة خريجينا يعملون ولله الحمد،وأكثر من ذلك لدينا طلاب (اختطفتهم ) شركات عديدة بتعاقدها معهم قبل تخرجهم،مما يؤكد أهمية التميز في العلم والتدريب والتعاون وبناء القدرات والسمات الذاتية للشباب. لقد تغير المجتمع ولم يعد ينظر لشهادات وتخصصات بعينها من منظور المكانة الاجتماعية قدر تقديره للتميز الشخصي في الكفاءة وثقافة العمل، فلكل مجتهد نصيب. قال تعالى( إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا).