حرص خطيب الجمعة ، في أحد مساجد مدينة جدة ، يوم الجمعة الماضي على أن يركز في خطبته على مخاطر الخوارج الجدد ( ما اتفق على تسميته بتنظيم القاعدة ) محذرا مما يقومون به وما يسعون إليه من محاربة المسلمين برفع شعارات إسلامية متطرفة يسعى المنظّرون والذين يقفون خلفهم عبرها إلى بذر الفوضى في المجتمعات الإسلامية ونشر الرعب وبث الفرقة وإرهاب المسلمين حيث كانوا وأشاد الخطيب بالنجاح الذي تحققه أجهزة الأمن السعودية بجهادها في سبيل حماية البلاد والعباد من مكر وتخريب هذه الجماعات. ومن المؤسف أن ينتشر الإرهاب الفكري والدموي في العديد من بلاد المسلمين حيث تعرضت له تركيا وباكستان والمغرب ومصر وغيرها بما في ذلك هذه البلاد التي يحرص قادتها على تطبيق الشريعة بالأسلوب السليم والصحيح ، وتمكنت بعض الدول التي تعرضت لعمليات الإرهاب الدموية من وقف هذا المد الشرير وذلك بدرجات متفاوتة من النجاح وإن كان البعض منها لازال يعاني من شرور الفئة الضالة كباكستان والصومال ودخل معها في دوامة من العنف الذي يودي كل يوم بحياة المئات من المسلمين في تلك البلدان. والإنتصار تلو الإنتصار الذي يحققه رجال الأمن السعودي لحماية الوطن من شرور الفئة الضالة هذه يجعل المجتمع السعودي يطمئن إلى كفاءة القوات الأمنية في بلاده كما أن جهود المناصحة التي يسعى عبرها فقهاء أكفاء من تصحيح المفاهيم المغلوطة للمغرر بهم تؤتي ثمارها في شباب انحرفوا وتمكنت الدولة عبر أجهزة المناصحة من تصحيح مفاهيمهم وإعادتهم إلى الطريق السليم ومبادئ وتعاليم الإسلام بالشكل الصحيح. والخطر الذي يشكله الخوارج لا يمكن أن نتوقع تلاشيه خلال وقت قصير بل هو خطر سوف يتواصل لبعض الوقت حيث نجح في زرعه منذ سن مبكرة بعقول عدد من الشباب المغرر بهم منظّرون منحرفون أو ذوو أطماع شخصية مريضة تستهدف هدم المجتمع وإحراق الوطن ، مما يستدعى إستثارة المجتمع بكامله للوقوف ضد الخلايا المنحرفة والمخربة وخاصة المنظّرين وأولئك الذين يجندون الشباب ويدفعونهم إلى الإنحراف العقائدي والفكري ، وأن لا تكون المهمة قصرا على الأجهزة الأمنية فحسب ، بل أن يساهم المجتمع بمختلف فئاته في محاربة الفكر الضال وكشف مخاطره وإنحرافه فالخلايا الثلاث التي نصر الله أجهزة الأمن في بلادنا مؤخراْ على كشفها وتلافي خطرها على حياة المواطنين ، تكونت من أكثر من مائة شخص ، (عدد لا يستهان به منهم من السعوديين) ، لن تكون الأخيرة في مجتمع ساد لسنين طويلة ، على مستوى العالم الاسلامي وليس المحلي فحسب ، فكر إقصائي أرهب الإعتدال وأبعده ، وتوفرت له الأموال من أناس جهلة أعتقدوا أنهم يساهمون بأعمال خير بينما هم يمولون عمليات إرهاب وبطش بالمجتمعات الإسلامية بالإضافة إلى قوى في دول إسلامية غير عربية ومن خارج العالم الإسلامي أستغلت مثل هذه الجماعات فقامت بتمويلها وتشجيع فكرها الضال وزرعت فيها خلايا تخريبية مستهدفة بث الكراهية وتمزيق البلاد الإسلامية المستهدفة من الداخل. ولفت نظري إقتراح قدمه الأستاذ قينان الغامدي ، في مقاله بجريدة (الوطن ) يوم السبت الماضي ، طالب فيه بإستراتيجية شاملة تسعى إلى مواكبة « النجاحات الأمنية بنجاحات فكرية فاعلة ، تسمى الأشياء بأسمائها ، وتعمل على تصيد ينابيع التطرف الفكري بجرأة ووضوح وتفككها ، وتشرح للناس مخاطرها عبر وسائل التواصل الممكنة وهي كثيرة «. وأعتقد أنه حان الوقت ،بل ومنذ زمن ، للعمل على إعداد وتنفيذ ( الإستراتيجية الشاملة ) التي تحدث عنها الأستاذ قينان الغامدي ، وأن يلتقى أهل الفكر بمختلف أطيافهم للمشاركة في هذه الإستراتيجية حماية لمجتمعاتهم وأوطانهم. فالفكر الإقصائي الذي تقوم عليه حركة الخوارج يقوم على أساس الهدم وليس البناء ، والفكر المريض الذي أكتشف الأحزمة الناسفة لا يستهدف قطاعا معينا في المجتمع بل هو فكر يقوم على أساس قتل أكبر عدد ممكن من الناس،وإستهداف المجمعات البترولية والصناعية يرمى إلى خلق الفوضى وتحقيق الانهيار الاقتصادي بشكل يعجز معه الفرد من الحصول على لقمة العيش ، وليس الأمن فحسب 00و لا يقل مثل هذا التوجه عما يمكن أن يستهدفه عدو أجنبي حاقد بالمجتمع وأمنه الإقتصادي والمعرفي عبر حرب يشنها على الوطن. وإذا كان الدكتور خالد الدريس ، المشرف على كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود قد أشار إلى أن التنظيم الإرهابي لهذه الجماعات يستعيد حيويته بعد كل إنجاز أمني نتيجة لعودة مجتمعاتنا الى حال الدعه التي تتيح له تجنيد المزيد من شبابنا مرة أخرى ، وهي حيوية وصفها (بالنمو الصامت ) 00 فإن جرس الخطر يجب أن يكون في حال إستنفار متواصل داخل مجتمعاتنا لحرمان منظّري هذا التنظيم من المجندين المضللين مما يتطلب بالفعل إستراتيجية أمنية شاملة ، يشارك فيها المجتمع بنشاط وحيوية لتحقيق النصر المطلوب على فكرالخوارج الشاذ. علينا أن نتنبه إلى أن هذه الجماعات الإرهابية لا تعيش بالفكر الضال فحسب ، بل بالأموال أيضاْ ، والتي تتوفر من أشخاص مضللين أو جماعات حاقدة وكذلك من جهات أجنبية معادية لا يريحها نجاح الدوله في إدارتها للبلاد ، وتحقيق الرخاء ومواصلة النمو إقتصادياْ ومعرفياْ ، ولا أن يعيش المواطن في ظل أمن يوفره رجال مخلصون وبكفاءة عالية يشهد بها البعيد قبل القريب 00ومن هنا يصبح من الضروري إستنفار المجتمع لحماية نفسه ومنجزاته ضمن (إستراتيجية شاملة ) يشارك فيها المواطن والمقيم بدور يستهدف الوقوف في وجه هؤلاء المنحرفين والضالين وفضح مخططاتهم وجرائمهم.