.... .. . (1) ثلاثون عامًا أشد الرحالْ أسير إليها وأبحث عنها فدربي محالْ أعد ثياب الرحيل وأمضي إليها فلا هي عادت ولا الدرب يحنو عليها ولا زلت أبحث عن سدرة العشق في ناظريها (2) ثلاثون عامًا مضت وإني لأعلم أن الدموع انقضتْ فدرب الحياة كدرب المماتِ إذا ما ارتوتْ وإني لأبحث عنها فضاعت حياتي هباءً كغيمة صيف مضت لا تبل العروقَ فسر الحياة إذا ما ظمئتَ تعيش كئيبا. تلفت حولي كشمس غدت للغروب لتنهي الشروقَ فسر الزمان إذا ما رحلتَ تعيش غريبًا. (3) ثلاثون عامًا أشم عبيرًا من البحر يسري ليسرق قلبي ويمضي بعيدًا وأمضي أذوق قليلاً هوايَ وأمضي أذوق مرارًا مرارة عشقي وقهري فأين أراها تزيح خمار الوصال قليلاً وتغدو لتعشق غيري (4) ثلاثون عامًا وأطفأت في كل باب شموعي وهبت لها صادق الأمنياتْ فضجت ضلوعي رسمت بكل الشوارع نجمي أضيء بها الأمسياتْ فمات خشوعي كتبت بكل الفصول خضوعي فتاهت إلى من أسير إليها دروبي (5) ثلاثون عامًا وأذكر أني افترشت الطفولة فيها وقفت صبيا على مقلتيها أجوب الشوارع أحمل في ساعديَّ السؤال: وأسأل ساعي البريد عن الغائبين وأنشده الحب في خلد الراحلين فيشتد غيظًا ويرمي البريد على الأرض.. يرحلْ ألملم من ذكريات الصبا جراح المدائن استن محفل فتذوي شظايا الأنين وأرحل. أجوب الشوارع أحمل في ساعدي السؤال: أطأطئ رأسي وأسأل كل المنافذ فينا إلى أين أغدو إذا ما رصيف الحياة لدينا سينشب أظفاره في دمائي لأرحل. (6) ثلاثون عامًا عشقت السفر فما إن نطقت حروف الرحيل استفاق المطر وأذكر وجهًا لأمي يقول حبيبي: إذا كنت حرًّا فغادر ولا تستقر وحقق أمانيك حيًّا إذا شئت موتًا كريمًا فهاجرْ فأينك أمي لقد ضاع وجهك عني وغاب المطرْ (7) ثلاثون عامًا تسافر بين الدروب الإحن يقيّد أرضي بقايا الفتن فيسكن خطوي تريد الثمن ولا شيء عندي سوى أن قلبي أحب الرحيل إليها نهارًا ويخشى المحن فما إن أحط رحالي مساءً وأذكر طيفك حتى أشد الرحال وأنسى الثمن (8) ثلاثون عامًا من العمر تمضي فهل كنت حلمًا أعيش السرابْ وهل كنت دمعًا بأرضٍ يبابْ تمر السنون كمر الرعود وينسل في العابرين المكان تمر السنون كومضة برق وينحل في الغابرين الزمان (9) ثلاثون عامًا أعلقها فوق رأسي أبعثرها تحت رجلي أشتتها في الجهات وأعجن منها حياة لها إلى أين أمضي ووقت الرحيل يمر سريعًا على العاديات (10) ثلاثون عامًا أنا كنت غيري ويعبر مني الجسدْ وتعبر روحي بلا رجعةٍ ويفنى الوتدْ لتبقى خيامي بلا زينةِ يذوب بأرضي الزبدْ تمددت أرضًا وصرت بساطًا لمن يستفيقْ يمر الجياعُ يمر الضياعُ وتمشي النعال ويبقى الأثرْ أنا كنت غيري أراقب ذاتي أرى حيرةً في فؤادي تضيع العبر أنا كنت غيري أشكل نفسي على راحتي فطورًا أصير كقط أليفٍ يريد الأمان ويحيا الأمل وطورًا أصير كمهرٍ جموح يثور على الوضع يشكو الأجل أنا كنت غيري ولكنني كنت نفسي إذا ما أفقت من الحلم أروي العطش (11) ثلاثون عامًا بوادي الضباب أسير وحيدًا وفي جانحيَّ الشباب أرى في عيون الشوارع حولي ذباب وشكرًا لريح الأمان ورائي تهش النفاق تهش العذاب (12) ثلاثون عامًا وما بعدها سأبحث عنها رياحًا ستأتي ويأتي الردى كغيري.. ولكن سأصرخ في الريح جهرًا وأرتد للذات قبل الصدى