أفرز عصر الثورة التكنولوجية آثاراً متعددة على مجتمعنا، قبل أن يأخذ التربويون حذرهم ويزودوا شبابنا بمظلات تقيهم السيل المنهمر من السماء المزدحمة بأقمار اصطناعية تبث الغث قبل السمين يوميا، وتسبب ذلك في تداخل بين أفكار أمم الكوكب الحي التي بدت وكأنها قرية واحدة، مما أدى لإصابة شبابنا بالكثير من أمراض المجتمعات الأخرى. إزاء هذا الوضع الحادث كان لزاماً على رجال الدعوة والوعظ ومعهم خبراء الاجتماع والنفس والمختصين ببحوث النوازع السلوكية، أن يبادروا لاستحداث حلول علمية حديثة، تعالج انحرافات الشباب التي طرأت في العصر الحالي، وبطرق تعتمد على البحث والاستقصاء، تسبر أغوار المشاكل وتضع الحلول العلمية لها، لتبرز فكرة إنشاء مركز لاستقصاء أسباب انحراف الشباب، ضرورة ملحة تبنت (الرسالة) مناقشتها مع بعض المختصين فكان الحصاد التالي: قضايا متشعبة بداية يرى الدكتور محمد موسى الشريف الأستاذ المتعاون بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز أن فكرة إنشاء مثل هذا المركز جيدة ومفيدة لشبابنا ومجتمعنا، ولفت النظر إلى جانب قد يكون مغيباً عن البعض بقوله: مشاكل الشباب عديدة وقضاياهم متشعبة، لا يستطيع مركز واحد استيعابها ومعالجتها، ولكن يمكن لهذا المركز أن يكون اللبنة الأولى في مشروع ضخم يبدأ عمله، برصد الانحراف وتسجيل ظواهر انحراف الشباب وعمل إحصائيات للسلوكيات الشاذة عن مجتمعنا الإسلامي، ووضع رسوم بيانية توضح مسارات الانحراف لدى الشباب، وبعد ذلك إيجاد مراكز بحثية أخرى وفق منظومة كبيرة تعضد عمل المركز بأسلوب علمي مستند على دراسات المختصين في كل جانب. وعن الايجابيات يقول: نحن بحاجة لكل شيء يساعد في تقويم مسيرة الشباب من مراكز ترفيهية وتعليمية وإحصائية تتكاتف معاً لتساعد على نجاحه، ولا أعتقد أن هناك معوقات ستقف أمام إنشائه، لكنه يحتاج لقرار حكومي يرسي قواعده ويمنحه الصفة الرسمية، وكذلك يرأسه أشخاص أكفاء يفهمون الشباب ويقدرونهم ويساعدونهم على حل قضاياهم، بكل إخلاص وتفانٍ. وختم الشريف حديثه قائلاً: هناك قضايا آنية تحتاج لمعالجة سريعة، منها: الاستخدام الخاطئ للانترنت، وتعاطي المخدرات، وانتشار الفضائيات، والهروب من المنازل، وضعف الثقافة والتطبيق العملي لتعاليم الدين الحنيف. تغيير المسمى بدوره يؤيد الأستاذ عبد العزيز السحلي رئيس تحرير مجلة "النادي" فكرة استحداث مركز خاص الهدف منه استقصاء أسباب انحراف الشباب، يشرف عليه خبراء السلوك المختصون بتحديد أسباب الانحراف بشكل دقيق والإلمام بحيثياته، ومن ثم وضع الحلول الكفيلة باجتثاث هذا الانحراف من جذوره، والحرص على التطبيق العلمي لتوصيات الباحثين وخبراء السلوك الانحرافي، وقال: أعد ذلك أمراً إيجابياً للغاية ويساير ما هو مطبق في الدول التي سبقتنا في التنظيم الاجتماعي الصحيح ونجحت في معالجة مشاكل شبابها، لكنني أتمنى أن يتغير المسمى إلى (مركز تطوير الشباب) لنمنح للمركز اسما أخف وطأة على مسامع الناس من كلمة (انحراف) بشرط أن يكون عمله كما هو بحث استقصاء أسباب الانحراف، ولاشك أننا سنجد معوقات مثل رفض البعض إنشاء مثل هذا المركز أو التحرج من بحث المشاكل، لكن بالعمل الجاد وتوضيح إيجابياته يمكن أن يتجاوز القائمون عليه هذه المعوقات. ومن أبرز ايجابيات هذا المشروع أننا سنبحث عن الداء فيسهل علينا وصف الدواء، بدل التخمين والتوقع الذي درج الكثيرون على اتباعه فكانت الحلول (فاجعة) غير ناجعة! وهناك عدد من السلوكيات التي يمكن أن تبحث منها على سبيل المثال لا الحصر: ضعف الوازع الديني، انتشار التدخين بين الشباب، تنامي التقليد الأعمى للعادات الغربية، أضرار الفراغ، العزوف عن القراءة، مصاحبة المنحرفين سلوكيا، عقوق الوالدين. التنفيذ الفعلي اعتبر الدكتور نبيل حماد المدير التنفيذي لقناة مكة الفضائية أن فكرة المركز جيدة وأوضح ذلك بقوله: المشروع يهم فئة غالية علينا وهم الشباب، الذين يمثلون حالياً سبعين بالمائة من عدد سكان المملكة، ولذلك نحتاج لمعالجة مشاكلهم. وكما نعلم هناك أربع خطوات لحل أي مشكلة، أولها التعرف على المشكلة وثانيها معرفة أسبابها، وثالثها اقتراح الحلول، ورابعها تنفيذ هذه الحلول. وأرى أن الايجابيات ستتحقق لهذا المركز إذا وجد فيه باحثون عمليون جديرون بالثقة، يقومون بإجراء دراسات دقيقة ولا يكتفون بالتخمين فقط، وإذا تم ذلك فإن الإيجابيات ستكون كثيرة ومن أبرزها عودة كثير من الشباب إلى رشدهم. ويضيف حماد: أخشى ما أخشاه ألا يتم تنفيذ هذا المشروع سوى على الورق فقط، وأن يكون وهميا، والقائمون على المركز هم وحدهم القادرون على إنجاح المشروع وتجنب السلبيات، وأؤكد أنهم متى ما آمنوا بالرسالة السامية له سيتكاتفون لحل أي معوق يواجههم، وهناك عديد من القضايا التي يجب معالجتها وننتظر البدء فيها، منها: مواجهة تيارات التغريب التي تبثها الفضائيات والانترنت وحتى ألعاب فيديو الأطفال، التي تنقل التيار الغربي لأطفالنا، فلابد أن تكون هناك دراسات لحلها والبحث في آثارها السلبية على الفرد والمجتمع، وهناك موجات أشد خطرا مثل: انتشار عبادة الشيطان في بعض دول الخليج، وارتداء بعض الشباب للملابس النسائية ولبس الفتيات لملابس الرجال، وأيضا العلاقات الجنسية (المثلية) بين أفراد الجنس الواحد، وهناك حملات عالمية لنشر هذه الشذوذ، تقابلها حملات عالمية رصد لها الغربيون الميزانيات الضخمة، ولحل مثل هذه الظاهرة البغيضة نحتاج أن نوعي الشباب بخطرها لندرأ الداء المستشري لتبقى بلادنا خالية من هذا (العفن الخلقي). استقصاء مشاكل الشباب وبدوره يثني الدكتور خالد الرميح الباحث في الشؤون الإسلامية على فكرة المركز معتبراً إياه خطوة عصرية لحل إشكاليات الناشئة في هذا الزمن، ويقول: أغلب الدول تركز في الوقت الحالي على مراكز الأبحاث لحل المشاكل بدءاً بالبحث عن أسبابها وطرق علاجها، والحمد لله بلدنا فيه كوادر تربوية من ذوي الكفاءات العالية لابد أن نستفيد منها في مختلف المجالات، وهذا المركز سيكون مفيداً للعديد من الأشخاص وسيساعد في حل مشاكلهم، ولذا يجب أن يكون تابعاً لجهة عليا مثل وزارة الداخلية أو التربية والتعليم، لتمنحه الصفة الرسمية وكذلك إيجاد جهة رقابية عليه. ويضيف الرميح: من أبرز إيجابيات المركز أنه سوف يستقصي مشاكل الشباب التي قد نغفل عنها، وسيعمل على أن نخرجهم من الحياة النمطية التي أصبحت مملة لهم، إلى الحياة التي يتعامل فيها الفرد مع مستجدات العصر فيما لا يخالف ديننا ولا عاداتنا وفق أسس تربوية مقننة، فلو سألت أحد الأشخاص لذكر لك مجموعة من المشاكل التي أحاطت به ويبحث عن أناس متخصصين في هذا المجال ليساعدوه على حلها. وختم الرميح قائلاً: لا اعتقد أن هناك معوقات يمكن أن تقف أمام هذه الفكرة، فالزاد البشري موجود والمال موجود ولله الحمد، والإرادة متوفرة والرغبة موجودة، وأرى أن من أبرز القضايا التي تحتاج للبحث والاستقصاء، الانحراف الأخلاقي والسلوكي لدى الشباب وقضايا التعامل مع الآخرين والتواصل معهم وهي كثيرة من الناحية الأخلاقية والسلوكية.. مضاعفة الجهود من جانبه يلفت الدكتور فهد الجهني عميد شؤون الطلاب بجامعة الطائف وأستاذ أصول الفقه المشارك النظر إلى أن شباب اليوم يحتاجون لحلول علمية لمشاكلهم التي تنامت في عصر التكنولوجيا فيقول: نحن نعيش في عصر يموج بأشكالٍ كثيرة وأنواع مختلفة من الاتجاهات والاهتمامات والصوارف والشواغل الملهية للإنسان، تسببت في بروز مشاكل لا حصر لها، فالشاب اليوم يعاني أشد مما يعاني منه من سبقوه بعقدين أو ثلاثة، ففي الزمن الماضي كانت المؤثرات التي من الممكن أن تؤثر على أفكار الشاب وتدفعه للانحراف محدودة، أما اليوم فقد اختلف الوضع تماماً، فقد كثرت المؤثرات وتعددت قنوات التلقي من فضائيات إلى مواقع إنترنت إلى صحف ومطبوعات ...الخ. ويواصل بالقول: لذا فإن الجهد ينبغي أن يتضاعف، والوسائل لابد وأن تتطور لتواكب هذه المتغيرات المتلاحقة وما نفتقده حقيقة هو وجود مراكز بحثية متخصصة يكون من مهامها القيام بدراسات تهتم برصد أهم المؤثرات التي تؤثر في سلوكيات الشباب، وكيفية تطورها عبر السنوات ومن ثمّ أهم التحولات التي طرأت على أفكار الشباب وأثرت على توجهاتهم، ومن خلال هذه الدراسات البحثية العلمية الواعية والعميقة يسهل علينا طرح الحلول المناسبة، فإن رصد هذه السلوكيات ولاجتهاد في إيجاد الحلول لها هو من أولى ما يجب القيام به، وهذه المراكز البحثية إما أن تكون مراكز مستقلة أي خاصة، أو مراكز ملحقة بأحد الجهات المعنية كوزارتي التربية والتعليم، والتعليم العالي. قضايا تربوية واجتماعية يرى الدكتور عبد الله هضبان الحارثي مقدم برنامج البينة في قناة اقرأ الفضائية أن فكرة إنشاء المركز جيدة وهو من المؤيدين لها وقال: من الأمور الجميلة أن نبحث عن مشاكل الشباب، ونعالجها بطريقتنا وحسب منهجنا وبيئتنا وبلدنا ليكون الشاب صالحا لوطنه وللمجتمع، وأرى أنه لا توجد معوقات لإنشائه، بل من المفترض علينا أن نبحث في مشاكل الشباب بكل الوسائل العصرية المتاحة، بهدف إصلاحها بعد عرضها على أهل الصلاح والفكر والدعوة، وأتمنى من التربويين أن يبادروا لدعم هذه الفكرة الجيدة بالمشاركة في بحث وتقصي مشاكل شبابنا قبل الانحراف، والوقوف مع أي دعوة لإنشاء مركز لبحث وعلاج المشاكل، فمن المهم جدا أن نعرف المشكلة قبل أن نضع الحل فإذا عرفنا المشكلة سهل الحل، لأن مشاكل الشباب مختلفة من شاب إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى، ومن تربية إلى تربية، فقد تكون لدى الشباب مشاكل اجتماعية أو عاطفية أو قد تكون لديهم مشاكل تربوية، وأبرز تلك القضايا الاجتماعية التربوية، ولهذا فإن استحداث المركز يصبح ضرورة تحتم علينا أن نساهم في إيجاده بأسرع وقت ووفق منهج علمي محدد.