منذ عام، أحتفظ بمقالة -لم تكتمل- حول جائزة بوكر والرواية السعودية، كتبت في لحظة شجن، لم تصمد أمام قضايا أكثر حضورا وأشد تحريضا على عبور اللحظات العابرة، تسحقها أو تتركها عالقة، في جدار الوجدان، أو في ملفات الحاسوب، أو على ورقة يلوحها الزمن بالصفرة! بعد فوز عبده خال بجائزة بوكر العالمية، عدت إلى المقالة، ليس إفلاسا كما تقول العبارة الاقتصادية الشعبية: ( المفلس يدور في أوراقه القديمة) بل لأحذف المستند، بعد أن نجح الروائي عبده خال في ترجمة عنوان المقال إلى واقع مبهج للأدب السعودي، وللرواية بشكل خاص، كان المقال بعنوان: ( أين نحن من جائزة بوكر العالمية ) فأصبح المقال في خانة العبث واللاجدوى، لذلك أجريت له عملية مسح أو بلغة الحاسوب ( delete )، كي أتعامل مع الحدث بواقعية، وأستثمر لحظة الشجن التي غمرتني، منذ تنامي إلى سمعي فوز عبده خال بجائزة بوكر في نسختها العربية وعامها الثالث! كنا يومها نحتفي بإنجازات المرأة في ( دار الجزائر) يوم الاثنين 8 مارس كان الفرح حاضرا بيننا نحن السعوديات المدعوات لمشاركة المرأة الإفريقية احتفالها بيوم المرأة، وكانت في رأسي قضايا كثيرة، تمثل بالنسبة لي حافزا أو دافعا للكتابة، وكان الهدف الذي كان حافزي على الكتابة عن جائزة بوكر قد تحقق وانتهى الأمر بتتويج عبده خال وروايته ( ترمي بشرر) على قمة الفوز! لم أكن مدفوعة بأي مشاعر تحرك لحظة شجن قوية، تدفعني للكتابة عن عبده خال، ولا عن الجائزة أو الرواية الفائزة لأني ببساطة لم أقرأ الرواية الفائزة، ولم أكن قارئة جيدة لروايات عبده خال، بل أعترف أني قلت في أحد اللقاءات الصحفية أن مقالات عبده خال تعجبني أكثر من رواياته، ولم أكن على معرفة إنسانية بعبده خال، لذلك لم أجد لدي محرضاً وجدانياً أو موضوعياً لأكون ضمن جوقة الزفة لرواية عبده خال أو لفوزه، مع أنه يستحق هذه الزفة الحقيقية فهي ليست (زفه كذابة). كما أنه ليس بيني وبين عبده خال أي حاجز نفسي يحول بيني وبين الكتابة عنه، فانا أتابع مقالاته، واشتريت بعض رواياته، ولو كنت في القاهرة مثلا لسارعت بشراء روايته الفائزة وقراءتها كما حدث مع رواية واحة الغروب لبهاء طاهر وعزازيل ليوسف زيدان- إلا أني لم أتعرض وقتها للحظة شجن تحفزني على الكتابة ، لكن اللحظة داهمتني بغتة، وأنا أتابع حوار عبده خال على قناة الحرة في برنامج ( من الخليج) مساء الجمعة الماضي! كم هو رائع هذا الإنسان البسيط في روعته، لأنه لم يتقوقع على أحلامه الكبيره، ولم ينكسر أمام خيبات تحقيقها، بل فرد جناحيه وغرد حيث اتجاه ريح الإبداع الروائي! لم يخلص له تخصصه في العلوم السياسية، لدخول وزارة الخارجية، فأخلص له الإبداع وحقق حلمه الذي سحقته الطبقية ، الإبداع الروائي توج عبده خال سفيرا للرواية السعودية، وحسب بنود المسابقة، سيزور خال بعض الدول الكبرى وستترجم أعماله إلى اللغات الانكليزية والفرنسية والاسبانية ولغات أخرى، أي حقق له إبداعه أكثر من إمكانيات حلم وظيفة دبلوماسية! هكذا رددت وأنا أغالب دموعي فرحا أو حزنا على أحلام الإنسان التي تدوسها البيروقراطية وضيق أفق المؤسسات الحكومية الطبقية، اجتاحتني لحظة شجن ولفحتني مشاعر الوحدة التي عبر عنها خلال كلمته في احتفالية النادي الأدبي (المتأخرة) على رأي المثل الشامي (يطعمكم الحج والناس راجعة)- كان وحيدا حيث يفترض أن يكون محاطا بأنفاس وأكف مواطنيه وزملائه وأصدقائه ومحبيه، في الوطن لا يحتاج المرء إلى سماع الأنفاس من حوله ولا رؤية الأكف تهزج له! الاحتياج يصبح ملحا في الغربة، خصوصا عندما يتوج الفرد ويحصد ثمار الجهد والسهر والخوف والقلق، عندما تمتد يد المبدع لترفع راية الوطن كان لابد وحتما أن تكون الجموع حوله تصفق له! تهنئة من القلب لعبده خال، وللوطن ولنا، على هذه الجائزة المهمة، وعلى هذا الإبداع الذي انطلق وحيدا، دون دعم مؤسساتي مدني أو حكومي، فقط صدق الموهبة! أصغيت له جيدا في حديثه التلقائي الفضائي، حزنت وفرحت وغمرتني موجة شجن طاغية، حرضتني على الكتابة، عن عبده خال وعن الجائزة، بوكر العربية، وتابعتها منذ دورتها الأولى. تأسست جائزة بوكر، عام 1968م، وهي تمنح لأفضل رواية كتبها مواطن من المملكة المتحدة، أو من دول الكومنولث، أو من جمهورية ايرلندا! يحكم جائزة بوكر البريطانية نخبة من أهم النقاد والكتاب والأكاديميين، يتغيرون كل عام حفاظا على مصداقية الجائزة ومستواها! من جائزة ( بوكر ) تفرعت عدة جوائز عالمية روسية عام 1992 وجائزة للأدب الأفريقي عام 2000 وجائزة بوكر العربية!