لم يكن الشيك كمستند مالي له مصداقيته التداولية وفعاليته في العمل الاقتصادي بشكل عام، ليغيب عن ذهن المشرّع ومتّخذ القرار، ولم يفت عليه أنه -أي الشيك- هو الوجه الآخر للعملة، والوصيف الذي يحل محلها لأجل معلوم حين تتأخّر عن الوصول لأزمة جوية أو مالية، أو تتعطّل طائرتها الرئاسية، أو لأي سبب من الأسباب. من هنا، كان حرص الكثير من دول العالم على دعم هذا المستند المالي، والاعتراف به، ومنحه شرعية نيابة الذهب والفضة، والعملات الورقية في بورصات التجارة، وميادين الأعمال والمعاملات على اختلافها، وعلى الرغم من أن هذا المستند -أي الشيك- وغيره من المستندات المالية الأخرى، هو اختراع غربي، مثله مثل العملة الورقية نفسها، إلاّ أن استخدامه بات اليوم أمرًا مشاعًا ومعروفًا في جميع أنحاء العالم، وإن كانت صدقية التعامل به ومدى الثقة فيه وأخلاقية تداوله في كافة التعاملات التجارية والممارسات الاقتصادية بصورة عامة، تأرجحت بين الضعف والقوة من دولة لأخرى، وفقًا للتشريعات التي تعتمدها ووسائل الحماية اللازمة له من تلاعب المتلاعبين. واليوم، وفي ظل العولمة وانفتاح الأسواق، أصبح لزامًا على جميع دول العالم، ونحن منها، السير في ركاب إصلاح الأنظمة المالية، وسد الثغرات التي قد ينفذ منها ما ينخر في بنيان اقتصادياتها، فيتأثر الكل، ولم يعد الأمر خافيًا على أحد، فالمسؤولية في عالمنا اليوم باتت مسؤولية جماعية، ولا بد من الرقص بإيقاع منتظم، خاصة في المسائل التي تتعلق بالاقتصاد والبيئة كمثلين واضحين على أن الخلل الذي يحدث في النصف الشمالي من الأرض سيؤثر -شئنا أم أبينا- في النصف الجنوبي منها، بل يعم الكون بأسره، ولهذا فإن الإجراءات التي تسعى الدولة لاتّخاذها لتعزيز مصداقية الشيكات، وتمكين هيبتها لدى المتعاملين بها هى إجراءات تنسجم مع فلسفة الإصلاح التي يرسيها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في جميع مناحي حياتنا، وهى خطوة ضرورية لإقفال الباب أمام المتلاعبين بهذا المستند الحضاري الذي يقيس أول ما يقيس، مدى صدقيتنا والتزامنا بالعهد والوفاء به، وهي من صلب العقيدة والاستقامة، وصحيح أن أمر الاهتمام بالشيكات ليس أمرًا جديدًا، ولكن الجديد هو تشديد الخطوات الرادعة وتحريك القانون ليلعب دورًا رادعًا وموريًا ورقابيًا لكل التجاوزات المتعلقة بهذا المستند الذي ظل لفترة طويلة مثار مماحكة وريبة، رغم تحذيرات وزارة التجارة والصناعة بعدم التلاعب به وإصداره بلا رصيد. من الآن فصاعدًا يجب أن تدفع المحاكم لتكون ظهيرًا لدعم مصداقية هذا المستند الحضاري، وتنزيهه من المراباة والتحايل.