هكذا وصف الكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله في كلمته في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الخامسة لمجلس الشورى، فقال: «إنّ الكلمة أشبه بحد السيف، بل أشد وقعاً منه، لذلك فإنني أهيب بالجميع أن يدركوا ذلك، فالكلمة إذا أصبحت أداة لتصفية الحسابات، والغمز واللمز، وإطلاق الاتهامات جزافاً كانت معول هدم لا يستفيد منه غير الشامتين بأمتنا، وهذا لا يعني مصادرة النقد الهادف البناء، لذلك أطلب من الجميع أن يتقوا الله في أقوالهم وأعمالهم، وأن يتصدوا لمسؤولياتهم بوعي وإدراك، وألا يكونوا عبئاً على دينهم ووطنهم وأهلهم.» وتأكيداً منه حفظه الله لأهمية مشاركة المرأة السعودية في عمليتي التنمية والتطوير، فقد أشاد بمشاركة المرأة إلى جانب شقيقها الرجل، واصفاً إياها بأنَّها مشاركة فاعلة في جميع برامج التنمية والتطوير سواء بصفتها طالبة أو موظفة أو معلمة أو سيدة أعمال. ولكن نجد هناك من يحاول بالكلمة إقصاء المرأة عن المشاركة في الحياة العامة، بل وإخراس صوتها باسم الدين، فهناك من حرَّم الاختلاط، واعتبر من يجيزه كافراً مرتداً، وعليه أن يُستتاب، وإلاَّ فيجوز قتله، بل نجد هناك من يقترح بهدم الحرم المكي وإعادة بنائه من جديد لفصل النساء عن الرجال في الطواف، وآخر اعتبر رفع صوتها عورة، والجائز هو قصر حديث المرأة إلى الرجل على قدر الحاجة وأمن الفتنة، وذلك رداً على مشاركة المرأة الداعية بصوتها في أجهزة الإعلام، بالدروس والمحاضرات وإدارة الحوارات في الإذاعة وغيرها، هذا ما قرأته في كتاب «صوت المرأة» الصادر عام 1428ه، من أحد دور النشر السعودية، مستنداً على حديث ضعيف عن عبد الله بن مسعود، وهو: (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان). أخرجه الترمذي 3 /476 من طريق همام عن قتادة عن مورق عن أبوالأحوص به. وهذا الحديث معلول من إرسال - أي انقطاع - بين قتادة وبين سالم؛ فهو لم يسمع منه . لو صح سماع قتادة من سالم فلا يفيد؛ لأنَّ قتادة مشهور بالتدليس؛ وقد عنعن السند.وهكذا يقال في الطريق الأخرى؛ ففيه علة التدليس الآنفة ومن قتادة نفسه. ونجد الكاتب يوضح معنى المرأة بقوله: « فقوله: المرأة؛ يعم بدنها وصوتها، فهو لم يكتف بإسناد فتواه على حديث ضعيف، بل نجده يجعل المرأة كلها عورة جسداً وصوتاً.كما نجده يستدل بالآية 53 من سورة الأحزاب الخاصة بأمهات المؤمنين: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا}، فعمم هذه الآية على جميع نساء الإسلام. وتجاهل مؤلف الكتاب قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة: 1] والمجادلة هنا للاسترسال في النقاش (مراجعة الكلام) وتجاهل قوله تعالى في الآية 71 من سورة التوبة: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهوْن عن المنكر}. وأستشهد بقوله تعالى في الآية 282 من سورة البقرة {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء}، كما أستشهد بآية البيعة {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك...} بأنّ صوت المرأة ليس بعورة، كما أستشهد بروايتها للحديث، وسؤالها للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه مع هذا يترك كل هذه الآيات القرآنية والوقائع من السنة الفعلية، ويأتي بحديث ضعيف، وبآية خاصة بأمهات المؤمنين، بآراء بعض العلماء التي تقول بصوت المرأة عورة ليجعله عورة. ولقد فاته أنّ من أمهات المؤمنين اللواتي نزل فيهن قوله تعالى:: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} لقد مارسن الفتوى: فالسيدة عائشة رضي الله عنها مارست الفتوى في زمني أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكانت تأتيها مشيخة محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها في عويص العلم ومشكله فتجيبهم جواباً مشبعاً بروح التروي والتحقيق ممَّا لا يتسنى إلاَّ لمن بلغ في العلم مقاماً علياً، قال أبو بردة بن أبي موسى عن أبيه: ما أشكل علينا أصحاب محمد أمر قط فسألنا عنه عائشة إلاَّ وجدنا عندها منه علماً) وقال مسروق: رأيتُ مشيخة أصحاب محمد الأكابر يسألونها عن الفرائض) [انظر: الإصابة لابن حجر، كتاب النساء رقم 11461] وقال عطاء بن أبي رباح: (كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأياً في العامة) وقال المقداد بن الأسود: (ما كنتُ أعلم أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بشعر ولا فريضة من عائشة) وقال الزركشي في المعتبر: (إنَّ عمر بن الخطَّاب وعلي بن أبي طالب كانا يسألانها في مسائل فقهية عديدة) وفي شرح الزرقاني وفتح الباري: (أنَّ عائشة كانت فقيهة جداً حتى قيل إنَّ ربع الأحكام الشرعية منقول عنها) وقال عروة بن الزبير: (ما رأيتُ أحداً أعلم بالقرآن ولا بفرائضه ولا بحلال ولا بحرام ولا بشعر ولا بحديث العرب ولا بنسب من عائشة. وقال أيضاً: (ما رأيتُ أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة). ومن أمهات المؤمنين اللواتي كن يفتين السيدة حفصة وميمونة بنت الحارث رضي الله عنهما، وكان يفتي نساء كثر على مختلف العصور منهن أم عيسى بنت إبراهيم بن إسحاق الحربي توفيت سنة 328ه. [انظر تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، والبداية والنهاية لابن كثير، والمنتظم لابن الجوزي، وصفوة الصفوة لابن الجوزي] وأمة الواحد بنت الحسين بن إسماعيل المحاملي توفيت سنة 377ه، وكانت عالمة فاضلة وفقيهة متفقهة في المذهب الشافعي، وكانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة. وعلى مر العصور كانت المرأة التي بلغت قدراً كبيراً من العلم يسمع عنها علماء الأمة وفضلاؤها ونبلاؤها وكانت تجيزهم وتعلمهم . للحديث صلة.