كانت العناية بالعقل وقواه الفاعلة من تفكير.. وذكاء وخيال، وقدرات إبداعية، وذاكرة..هدف كل الجهود التي يبذلها علماء النفس وعلماء التربية.. والأطباء وغيرهم من المعنيين بصحة الإنسان النفسية والعقلية والجسدية. والحقائق العلمية لطالما أكدت لنا أهمية استخدام هذه القوى العقلية وتنميتها وتقويتها والمحافظة على سلامتها. فبالعقل فضّل الله الإنسان وكرّمه، وبالعقل استطاع الإنسان – بفضل الله – أن يسخّر ما استطاع تسخيره من قوى الطبيعة، وبالعقل استطاع أن يتحضّر ويتطوّر ويبني الحضارات. وقد أثبتت البحوث العلمية والدراسات على مدار عقود من الزمن أن للتلفزة دوراً سلبياً في كثير من الأضرار التي لحقت بالعقل. إذ تسببت في تدهور الذكاء..وتفكّك التفكير المنطقي وضعف التفكير الاستدلالي..المبنيّ على التحليل واستخلاص النتائج وتكوين الأحكام العقلية فيما يستقبله العقل البشري.هذا التّدهور لم يقف حدّه عند المسنين الذين يركنون إلى مشاهدة (التلفزيون) معظم أوقاتهم، بل تجاوز ذلك وصولاً إلى الطاقات التي تعوّل عليها المجتمعات في التقدّم والترقي وهي طاقات الأجيال الناشئة من الشباب. فالمكوث لساعات طويلة أمام جهاز التلفزة لمشاهدة برامجه يبقي الذّهن في حالة سلبية منحصرة في عملية التلقّي مما يعطّل الدماغ عن العمل والنمو، ويؤدّي إلى ركود الذهن وإصابة الفكري النقدي بالشلل!! هذا بالإضافة إلى ما أثبتته الدراسات والبحوث العلمية من أن قضاء ساعات طويلة أمام هذا الجهاز يعطّل التوازن الهرموني عند المراهقين، ولا سيما هرمون الميلاتونين الذي تتسبب مشاهدة التلفاز في تثبيط إفرازه،وهو هرمون أساسي ومضاد قوي للأكسدة ويؤدي دوراً مهما في الأداء الجيّد لجهاز المناعة. وقد وجد باحثون إيطاليون أن الأطفال الذي حُرموا من مشاهدة التلفاز لأسبوع واحد شهدوا زيادة في مستويات هرمون الميلاتونين الذي يمنع البلوغ المبكّر بحوالى 30% والذي يؤدّي ضعف إفرازه إلى حدوث البلوغ المبكّر الأمر الذي يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان!! ويؤكد الخبراء أن (التلفزيون) وسيلة تؤدّي إلى نتائج سلبية لأن ما يقدّمه من مواد لا تحتاج إلى أي نشاط ذهنيّ من جانب المشاهد كما أنها لا تحفّز الأنشطة الإبداعية وتقلل من فرص الاهتمام بالمطالعة والقراءة. فالتلفزة وما تقدّمه ضربة قاضية تسدّد إلى أهمّ ما يبني التكوين العقلي وهو المطالعة لذا نجد أن مدمني مشاهدة هذا الجهاز غير قادرين في الغالب على التركيز في أي موضوع يقرؤونه أو يحاولون الكتابة فيه إذ تكاد تنعدم لديهم القدرة على التحليل والتعبير اللغوي الجيد بل حتى المقبول! . فقضاء الوقت في مشاهدة المباريات الرياضية والمسلسلات وغيرها يجفّف ينابيع المعرفة العميقة ويصرف عن العناية بالعقل ويؤدي إلى السطحية والسلبية. والحلّ لا يعني أن نلقي بأجهزة التلفزة في الشوارع ولا بعدم اقتنائها ووجودها في بيوتنا.. بل بالحذر الدائم في التعامل مع هذا الجهاز وبرامجه ومواده فلا نسرف بالانكباب عليه..ولا ننساق وراء أوهام (الطفش) التي تجعلنا نراه وسيلة ترفيه وحيدة. فالعقل نعمة جليلة كرّم الله بها الإنسان، وميّزه به عن كافة مخلوقاته ومن شكر النعم أن نحافظ عليها ونستثمرها جيداً ونعمل على تنميتها ونستخدمها في خير.فبالعقل وقدراته غير المحدودة فقط يستطيع الإنسان أن يواجه الصعاب ويخوض غمار الحياة.. فإن سلم العقل ونما وازدهر..جنّب صاحبه الضعف والمرض والاضطرابات بإذن الله.