لا أزالُ أذكرُ التعليقات التي أثارها مقال كتبتُه في نافذتي بصحيفة “عكاظ” -آنذاك- في فبراير 2002م، عن ظاهرة انتشار بائعات الفصفص من السعوديات في قلب سوق الديرة في الرياض، يفترشن بسطتهنّ، ويصرفن على بيوتهنّ من تلك التجارة البسيطة، التي يلاحقهنّ فيها موظفو البلدية، ويمنعونهن حتّى من كسب قروش قليلة تساعدهنّ على تحمّل العيش، خاصة وأن أكثرهنّ من كبيرات السن. وقتها ثارت ثائرة بعض القرّاء على «الدختور» الذي يتحدث عن سعودة الفصفص.. و“أمحق سعودة”!!، خاصة وأنني طالبت -ساخرًا- بسعودة سوق الفصفص في جدة، والمنطقة الغربية؛ لأن بائعات الفصفص هناك من الإفريقيات غير السعوديات؟! وقد طالبني البعض أن أكون قدوة في هذا المجال، وأن أبدأ السعودة من عندي. وسأل أحدهم بتخابث: «ولّا إيه يا تختر.. وعلى فكرة.. الدكتوراة في الفصفص.. ولّا في المشمش..؟! ومن وين حصلت عليها.. من نيجيريا.. ولّا من ساحل العاج..؟! وها أنا، وبعد ثماني سنوات من هذا المقال أقرأ عن امرأة خمسينية تعرض على زوّار مركز تجاري شهير في الرياض غسل سياراتهم، مقابل عشرة ريالات؛ بهدف إطعام أطفالها..! وأن الكثير من الناس يساعدونها لوجه الله، بينما يرفض آخرون مساعدتها إن لم تعرض عليهم القيام بعمل مقابل ما سيتبرعون به! مشيرة إلى أن سائق تاكسي باكستانيًّا هو مَن أرشدها إلى هذه الفكرة. وذكرت المرأة أنها تخشى القبض عليها من الدوريات الأمنية، ومكافحة التسول، لكنها مضطرة لذلك، حيث إن لديها خمسة أطفال! وقد قرأنا عن سيدات سعوديات أصبحن يعملن خادمات ومربيات في المنازل، وهي قضية أثارت ثائرة الكثيرين. ورغم أن العمل لا يضير صاحبه، أو صاحبته طالما أنه عمل شريف، خاصة وأنه أفضل من مد اليد للغير حتّى الأقارب، فإن لمثل هؤلاء على المؤسسات الاجتماعية الخاصة والحكومية واجبًا في تأمين مصدر دخل مناسب، خاصة لكبيرات السن منهنّ. وأرى أنه يجب قبل فتح أفواهنا لرفض ظاهرة ما، أو الاعتراض على تصرّف معيّن، أن نعرف ما وراء هذه الظاهرة، أو هذا التصرّف. لكن المدهش أن بعضنا ما زال يناقش: هل تعمل المرأة، أو لا تعمل؟ وهل عمل المرأة حلال أم حرام؟ بل ويعتبر بعضهم أن مجرد إثارة قضية عمل المرأة إشغال للمجتمع بقضايا لا تمتُّ إلى مبادئ الإسلام وقيم المجتمع المسلم، وفيه اتّباع لمنهج اليهود والنصارى ومَن سار في ركبهم ممّن يحملون أهدافًا تغريبية خبيثة!! فعلى هؤلاء إمّا تأمين العيش الكريم لمثل هذه الحالات.. أو تركهنّ يبحثن عن رزقهنّ، كما يقول المواطن (فهد المطيري) وهو أحد الذين عرضت عليهم المرأة غسيل سيارته: “العمل ليس عيبًا، وهو أفضل من التسوّل.. ولو وجدت هذه المرأة ما يسد رمقها ورمق أطفالها لما وجدتموها هنا”.