واحة الأحساء بلد النخيل والخضرة والماء. وقد اشتهرت بهذا منذ القدم. ولعل سقي النخل وريه بالماء له طريقته وأسلوبه الخاص عند فلاحي الأحساء، حيث يعرف كيف يتعامل الحساوي مع نخلته بمداراتها ورعايتها وسقايتها. ويكون سقي النخل بالماء عن طريق قنوات خرسانية طويلة ممتدة بطول شوارع الأحساء ومنشرة بين قراها هنا وهناك. وهذه القنوات والتي تعرف ب “الخطوف” الخرسانية الصلبة والقوية لها من العمر الكثير من السنوات مع القيام بالصيانة الدورية لها من قبل الجهة المسؤولة وهي هيئة إدارة مشروع الري والصرف بالأحساء، حيث تحمل هذه القنوات الماء القادم إليها من عيون الأحساء الكبيرة مثل الخدود والجوهرية والبحيرية وأم سبعة والحقل وغيرها، حيث يتم تجميع الماء في نباعات كبيرة لحفظ الماء (التخزينة) أشبه ما تكون بالسدود، ثم يقوم العامل المسؤول بتوزيع المياه عبر القنوات الرئيسة للجهات المختلفة من قرى الأحساء الشمالية والشرقية، بعدها تتم عملية فتح “الفلنجات” ليأخذ الماء طريقه في القنوات الكبيرة ومن ثم يصب في قنوات أصغر منها عبر سدات موضوعة من قبل الجهة المسؤولة يقوم بفتحها العامل المراقب، المسؤول عن تلك المنطقة، ليقوم بتوزيعه وعبر جدول معين على الفلاحين الذين يترقبون قطرة الماء بفارغ الصبر، حيث يكون أحيانا فتح الماء في الليل ويمتد إلى الهزيع الأخير منه، وأحيانا في الصباح الباكر. فتح الأهواز يقوم الفلاحون بوضع أهوازهم، وتكون أحيانا أربعة أو تزيد أو تقل حسب كمية ووفرة الماء الموجود في القناة، وهذه الأهواز وهي مصنوعة من الجلد وبعضها الآخر من البلاستيك القوي يضعونها في داخل القناة “الخطف” الصغير ويقومون بشفط الماء من داخل القناة إلى بركة صغيرة. ويعاني الفلاحون صعوبة في شفط الماء من القناة خاصة أيام الشتاء نظرا لبرودة الجو مما يؤدي إلى انكماش وتقلص هذه الأهواز. وبعد شفط الماء من القناة إلى البركة، ويجري الماء إلى داخل مزارع النخل عبر جدول صغير يسمى “المشروب”، مصنوع من الإسمنت وبعض الطابوق ويكون عرضه مترا أو أقل قليلا، وطوله ليس محددا. فهو على حسب طول وامتداد النخل. ويكون النخل مقسما إلى أقسام وهو المعروف عند الفلاحين ب”الصفح”، وهذا الصفح أيضا مقسم إلى أقسام تسمى ب”الشرب”، وعند مدخل كل شرب هناك فتحة يدخل عن طريقها الماء لسقي وري النخيل والزرع، ومتى ما شرب النخل والزرع. وأحيانا يقوم الفلاح بجعل الماء يصل إلى “الدوسة” وهي الجوانب والحواف للشرب. التسكيرة وتخزين المياه وبعد الانتهاء من سقي الشرب يقوم الفلاح بإغلاق “التسكيرة” وهي الفوهة، حيث تسكر وتغلق ببعض الأخياش أو الملابس القديمة، ليأخذ الماء مجراه في المشروب متجها إلى شرب ثاني، ثم الثالث، وهكذا تتواصل العملية حتى يروى النخل بأكمله وتتم سقي النخل بالدور عند الفلاحين، حيث أحيانا تكون كل أسبوعين أو بالثلاثة أسابيع، وهذا بالطبع يرجع إلى حسب الظروف. حيث توفر الماء وتخزينه في القنوات الرئيسة والكبيرة. ويقول المزارع حسين بن محمد بن حجي أنه يعتمد على نفسه في سقي نخله منذ سنين طويلة، ويعتبر ذلك راحة له حينما ينظر إلى نخله قد شرب وارتوى، لأن ذلك سيكون له مردود جيد على إنتاجية ومحصول النخل. وأوضح أن طريقة السقي هذه قديمة وتحتاج إلى مجهود جبار ومتابعة مستمرة ومتواصلة للماء، فتارة يكون الفلاح في داخل النخل ليقوم بنفسه والوقوف عن كثب على ري وسقي النخل، وتارة أخرى يخرج إلى خارج النخل ليطمئن على وضع الماء وكميته والأهواز في عملية سحبها للماء أو توقفها عن عملية السحب أو الشفط، لأنه أحيانا يضعف الماء، وأحيانا ينقطع الهوز من سحبه للماء لوجود بعض الأوساخ أو النفايات أو الفضلات بداخله وهو ما يسمى ب”الشبه” أو الطحالب الخضراء التي تغلق الهوز وتعيقه عن سحب الماء. طريقة مثلى أما المزارع يوسف بن علي فيقول إن عملية سقي النخل بالطريقة القديمة أو البدائية كما يسميها البعض فهي الأجدى، والأفضل لسقي النخل، حيث يتأكد الفلاح عن وصول الماء إلى جميع ما بداخل الشرب من أشجار ونخيل وزرع وارتوائه جيدا، ووصول الماء إلى أسفل التربة. وأوضح أن الطريقة الحديثة أو الرشاش بالميكنة فهي لا تفي بالغرض المطلوب، حيث لا يصل الماء كافيا للزرع، وقال إن هذه الطريقة القديمة على تعبها ومتابعتها إلا أنها الأجدى والأفضل للري. وعن الصعوبات التي تواجه الفلاح في سقيه للنخيل يقول المزارع حبيب بن علي البراهيم: لا توجد هناك صعوبات مادام الماء متوفرا، ونحن منذ سنين طويلة ونحن على هذه الطريقة، وهناك بعض الفلاحين الذين لا يستطيعون سقي نخيلهم بأنفسهم لظروف السفر أو المرض أو الالتزام بعمل ما، فيقومون ب “المكاراة” وهي أن يستأجر عاملا يقوم بالمهمة عنه وبمبلغ محدود يقارب المائة ريال أو تزيد قليلا، والحمدلله على هذه النعمة وهي نعمة الماء التي جعل منها كل شيء حيا.