« انطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية « كتاب ممتع وجهد رائع وعمل يستحق الإشادة ، وإذا كان مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث له فضل تقديم هذا العمل ، وإذا كان لوكالة الوزارة للشؤون الثقافية دور في دعم وصدور هذا المنجز الأدبي ، فإن مؤلف الكتاب وهو الأستاذ خالد اليوسف قد أنجز جهدا عظيما وعملا متميزا يستحق ما هو أكبر من الإشادة ، وليس بمستغرب من أديب ومبدع وقاص أن يصدر منه مثل هذا العمل ، الكتاب رحلة ممتعة في عالم جميل يسير القارئ خلاله متذوقا ومتأملا ثمرات متنوعة من الإبداع القصصي ، كلما دخل حديقة تراءت له حديقة أخرى ، حدائق في أماكن وأزمنة ومراحل مختلفة كتبها وصورها جمع من المبدعين السعوديين تمثل طيفا متسعا من إمكانات ثرية للقصة القصيرة . ولكن أي عمل مهما بلغ من جودة وحقق من رضا فهو لا يخلو من ملاحظات ، ولهذا سأوجز أهم ما رأيته منها : أولها « عنوان الكتاب « ، فمن المعروف أن مصطلح « انطولوجيا « استخدم بلفظه المنطوق في كثير من الأبحاث العربية الصادرة ، فاعتاد أغلب المؤلفين العرب في مؤلفات أدبية وتوثيقية مماثلة على وضع المصطلح كتابيا كما هو منطوق لفظا بلغة أخرى (كالانجليزية مثلا) ، وذلك دون محاولة من أي كاتب أو ناشر بتعريب المصطلح أو باستخدام المصطلح البديل عنه ، وهذا الاستخدام المنتشر يؤدي إلى التباس بين مصطلحين مختلفين ، أحدهما أدبي ، والآخر فلسفي ، الأول (الأدبي ) يكتب « anthology « ، ويعني مقتطفات من مجال أدبي ، مثلا : مقتطفات من الشعر السوري ، مقتطفات من القصة الإيطالية ، وأما المصطلح الفلسفي فهو يكتب « ontology « ، ويدل على مبحث في الفلسفة يتناول مسائل الوجود وما يتعلق به كما هو في عناوين فلسفية عربية ومترجمة ، ولهذا فالمصطلح الفلسفي يتوافق أكثر مع حرفية اللفظ ، وفي حال استخدام عنوان للكتاب مثل « مقتطفات « يزول هذا الالتباس، ويصبح العنوان دالا بوضوح على محتوى الكتاب بمجمله كمجموعة قصص عربية سعودية . وثانيا عندما ننظر إلى إجمالي المبدعين المدونة قصصهم في الكتاب (192 قاصا) نراه عددا محدودا جدا مقارنة بفترة تزيد عن ثمانين عاما ابتدأت معها أعمال أدبية وامتدت خلالها النهضة الأدبية في المملكة في مجالات شتى ومنها القصة القصيرة ، فلو تم مسح ميداني أوسع لاحتاج القارئ إلى مجلدين على الأقل حتى يحيط بما أنتجته عقود من الإبداع الأدبي في هذا المجال ، ودليلنا على ذلك أن الكتاب يخلو من أعلام قصة كبار ، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: عبد العزيز مشري ، سباعي عثمان ،... الخ ، وإذا كان المؤلف قد يصعب عليه جمع وتوثيق معلومات عن بعض المبدعين لأسباب منها احتمال عدم تجاوبهم ، فإن تلك الصعوبة تكون غير مبررة في حال المبدعين الذين رحلوا وخلفوا الكثير من الأعمال المعروفة والتي نشرت أثناء حياتهم ، نذكر للمشري مجموعة بعنوان : (نوح السنابل) ، ونذكر لسباعي مجموعة بعنوان : (الصمت والجدران) ، وأيضا فإن المكتبة الالكترونية يمكنها أن تذلل صعوبات عديدة منها البحث عن القصص التي سبق نشرها. وأيضا نلاحظ أن بعض القصص المختارة في الكتاب ليست منشورة في مراحل زمنية سابقة ، بل نشرت تزامنا مع صدور الكتاب ، مما يعني أن اختيار القصص لم يكن من خلال معيار تاريخ نشرها ، وبما أن الكتاب توثيقي فهذا المعيار له أولوية نظرا لما له من دور في توضيح إسهام وتأثير القصص القصيرة في مسيرة النشر الثقافي والإبداعي بالمملكة ، وكذلك أهميته في إبراز مراحل تطور القصة القصيرة في بلادنا ، وما رأيته من ملاحظات هو من باب الحرص على اكتمال العمل ، وإلا فهو جهد متميز يسجل للأديب القدير خالد اليوسف .