صدر للأستاذ أحمد محمد محمود كتاب (رحلات الحج) في ثلاثة أجزاء. رام منه تلخيص قصص من حج إلى بيت الله الحرام وزار المدينةالمنورة، من العلماء والأدباء والمفكرين وبعض المستشرقين الذين حجوا بصفة غير قانونية أو باعتبار لا شرعية له، وذلك عبر القرون الثلاثة الهجرية الأخيرة حتى الآن. وقد جعل من كتاب (طريق الهجرة النبوية) للأستاذ عبد القدوس الأنصاري أول كتاب يستعرضه ويلخصه في جمهرة الرحلات هذه كما أن ممن ضمتهم هذه الموسوعة للشعيرة الدينية (الحج) الفقيه العلامة عبد الغني النابلسي صاحب (تعطير الأنام في تفسير الأحلام) الذي أسمى رحلته ب(الحقيقة والمجاز في الرحلة بين بلاد الشام والحجاز) وهي رحلة ماتعة حين يكتبها فقيه ويلخصها متخصص في الفقه مثل أبي أنس. ومن تلكم الرحلات الماتعة أيضاً رحلة ابن بطوطة لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الطنجي، يقول عنها المؤلف: إذا كان لكل نشاط رواده، فليس بكثير على ابن بطوطة أن يكون رائد الرحالة في العالم قديمه وحديثه. فعلى مدى 29 عاماً قام برحلات متواصلة جاب أنحاء العالم المعروف في عهده شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. براً وبحراً.. ويقطع في رحلاته ما يقارب 75000 ميل، قابل ملوكاً وخلفاء وأمراء وزعماء ورؤساء قبائل وعشائر وعلماء، وأنساً من كل لون (وفن) وأرض- 1/94 ووصف مكةالمكرمة وهي مدينة كبيرة متصلة البنيان مستطيلة في بطن واد.. ثم وصف المسجد الحرام ناقلاً ما كتبه في هذا - الأزرقي-1/97 وإذا كانت رحلات ابن بطوطة عبر البر والبحر، فإن ثمة رحلة الحج للدكتور عبد الهادي التازي المغربي ما أسماها في كتابه ب التحليق إلى البيت العتيق، وذلك عبر الجو بالطائرة من مطار سلا بالرباط بالمغرب إلى مطار جدة بالمملكة العربية السعودية ومن ثم إلى مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، لأداء مناسك الحج والعمرة وزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وآثارها القيمة ومعالمها المطهرة ودور الكتب في الحرم ومكتباتها المفتوحة. وكتلك الرحلة رحلة الشيخ محمد رشيد رضا وهو ثالث جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في إصلاح الفكر الإسلامي الحديث في مصر خاصة، وكان الشيخ رضا قد أصدر مجلة المنار وتفسير المنار الذي بدأه أستاذه الشيخ محمد عبده للقرآن الكريم حتى وقف عند الآية 114 من سورة النساء فأكمله الشيخ رشيد إلى آخر سورة الناس، وقد حج واعتمر وزار المدينة وكان همه أن يشفي المجتمع المسلم من جهله ومرضه وفقره ومن النزاعات الطائفية والمذاهب الدينية وقد تميزت رحلة الشيخ رشيد رضا بالمعلومات الدينية والتاريخية والسياسية ذلك انه صاحب علم وفقه وفكر، وناهيك بالمنار مجلة وصحافة وتفسيراً أما العلامة صديق حسن الغنوجي فقد قص رحلته في أربع صفحات فقط من كتاب:رجلة الصديق إلى البيت العتيق. ويظهر أن ما علمناه في هذه الرحلة من متاعب وأمراض في المركب من الهند إلى جدة هو السبب في قصر كتابته عن رحلة حجه وحينما نأتي إلى كتب رحلات أخرى نجد عجباً في كتاب الأستاذ محمود، وإنما تركيزي على من قام برحلات الحج من الأعلام المفكرين والأدباء العلماء والفقهاء والصالحين الذين اختارهم المؤلف واخترتهم أنا عن تذوق لكتبتهم ورحلاتهم الدينية. ونقف مع علم آخر هو أمير البيان الأمير شكيب ارسلان صاحب الكتب والتصانيف المفيدة لنجده قد كتب رحلته إلى مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة بعنوان "الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف". استقصى فيها على سائر الحجاز وليس مكةوالمدينة فحسب بل جزيرة العرب العرباء ككل، لكنه فصل حديثه عن الحج والعمرة والزيارة بسعة وتحدث عن الدعوة الإسلامية التي قادها نبي الرحمة عليه صلوات الله وسلامه والفكر الديني والثقافة التاريخية لدى هذه الأرض الطاهرة المقدسة، والمحمود في كتاب أحمد محمود انه جمع أهم الكتب في هذا المجال بالعشرات بالمئات وهذا غيض من فيض وقلادة أحاطت بجميع الرقاب المشرئبة إلى أقدس مطاف كما قال الأمير ارسلان. وليت المؤلف الفاضل أدرج كتاب (في منزل الوحي) للدكتور محمد حسنين هيكل ضمن مؤلفه القيم، إذا لأضفى على كتابه أدباً على أدب وجمالاً على جمال ويبدو أن الأستاذ أحمد لديه جمهرة أخرى من رحلات الحج سيخرجها في أجزاء أخرى من كتابه تباعاً، لأن رحلة الدكتور هيكل قد كتب عنها أبو أنس في مكان آخر كما مر بي في مجلة الحج والعمرة. ولم يأل المؤلف الفاضل أحمد محمد محمود جهداً في كتابه واني لأراه قد قدم عملاً علمياً ناجحاً وتجربة تأليفية رائدة فاللهم زد وبارك والله ولي التوفيق.