مفهوم المسؤولية الاجتماعية له أبعاد متعددة وأهداف نبيلة، يهدف إلى تنمية ارتباط المرء بمجتمعه وتعمّق مفهوم المودة والتراحم، وهو مبدأ إسلامي إنساني أصيل، كان يفترض أن ينتشر ليعم جميع المجتمعات، وعلى وجه الخصوص في بلاد الحرمين الشريفين مهد الرسالة ومنبع الإسلام. لكن المؤسف أن هذا الدور غائب إلى حد كبير وقد يصل إلى الانعدام بشكل جزئي أو كلي عند بعض من يفترض فيهم أن يحملو الهمّ ويبادروا إلى تقديم شيء يسير لهذا المجتمع الذي لولاه لما قامت كياناتهم ولما ارتفع شانهم وذاع صيتهم. وقد تساءل مجموعة من الإخوة الحاضرين في الندوة العلمية التي عقدت مؤخرا بعنوان «هل المسؤولية الاجتماعية تنمي المال؟» ونظّمها مجلس المسؤولية الاجتماعية بالغرفة التجارية بالمدينة المنورة، والتي اتسمت بالشفافية وتميزت بالمداخلات الساخنة والوضوح التام، عن الأسباب التي أدت إلى ذلك، فمنهم من رأى عدم وجود أنظمة تلزم التجار ومن في حكمهم للقيام بمسؤولياتهم الاجتماعية، ومنهم من يعتقد أن السبب هو ضعف الوازع الديني وغياب الحس الاجتماعي؛ فالتاجر يعيش في برج عاجي لا يرى إلا من يحيط به وبالتالي فهو عديم الدراية بأوضاع مجتمعه فضلا عن أن يعرف أحواله ويطلع على مشكلاته. والواقع أن المبادرات القائمة حاليا لا تفي ولو بالجزء اليسير من المسؤولية الاجتماعية، وتخلي أفراد المجتمع عن أدوارهم المنوطة بهم له الدور الأبرز؛ فقد أصبح كل يعيش في عزلة لا يحمل إلا همّه فقط ولا يشعر بالآخر ولا يحاول المشاركة والإسهام في القضاء على مشكلات المجتمع وتعزيز أواصر المودة والألفة بين أفراده. وثمة تساؤل عن دور البنوك والشركات الكبرى، فهي تستثمر في المجتمع وهو شريانها الرئيسي، ومن المفترض أن تسهم في تنميته وتحل مشكلاته، لكن الواقع لا يشير إلى ذلك على الإطلاق؛ فالبنوك همها جمع المليارات من الأرباح وليس لها دور ملموس في المجتمع البتة. ويصاب المرء بالأسى وتتملكه الدهشة عندما يقرأ أن أثرى أثرياء العالم تبرع بثروته للقضاء على الأمراض المعضلة، ليسأل : أين هم أثرياؤنا؟ وتساؤل أكبر عن دور مصلحة الزكاة والدخل، وهل تحصّل الزكاة بالفعل، وإذا كانت الإجابة بالإثبات (وهو أمر متوقع) فأين دورها في المجتمع، أليست ضمن المسؤولية الاجتماعية، ألا تعتبر جهة حكومية ويجب عليها القيام بمسؤولياتها الاجتماعية ؟ إن من المؤسف أن مؤسساتنا وشركاتنا قد تخلت عن مسؤوليتها الاجتماعية وبات همّها الأكبر الربح، وإذا ما أرادت القيام بعمل بسيط فانه لا يعدو أن يكون مجرد ترضيه بإلقاء حفنة يسيرة من تلك الأرباح الطائلة ، في وضع لا يرضي المنصفين، مما يجعلهم يطالبون بنظام ضرائبي يفرض على هؤلاء الذين أعطاهم المجتمع فمنعوه ومنحهم فحرموه، ويتمنون أن يتم طرح هذا الموضوع على طاولة مجلس الشورى، لنرى البنوك والشركات والمؤسسات وقد قامت بمسؤولياتها الاجتماعية على الوجه الأكمل، وبات المجتمع يلمس أدوارهم ويجني ثمارها، فهل يفعلها مجلس الشورى؟ Email: [email protected]